لا تدع السياسات الغربية في شئون وأحداث منطقتنا العربية مجالاً للشك حول حقيقة أن هذا الغرب الاستعماري قد فصّل “ديمقراطية” خاصة على قياس العرب، وإن محاولات وضع قيم “ديمقراطية” من نوع خاص بالعرب ستبقى مرتبطة ومقيدة تماماً بمعايير مصالح الاستعمار الجديد الذي يغزونا اليوم بدعوى “الديمقراطية”. وأهم ما في تلك القيم هو إن كل السياسات التي تمارس ضمن الضوابط والسيطرة الغربية تكون “ديمقراطية”، حتى لو كانت ضد سيادة وإرادة الشعوب، وإن كل السياسات التي تدار خارج الضوابط والسيطرة الغربية هي “غير ديمقراطية” بل ديكتاتورية، حتى لو كانت بإرادة شعبية كاملة ونزيهة، وعلى كل شعوبنا العربية أن تقبل بهذا الواقع الجديد مهما تكلّف الأمر (بالعصا أو بالجزرة). والمراد من هذه الديمقراطية “الخاصة” هو سيادة المصالح الاستعمارية التي تروّج نفسها اليوم بمبادئ رومانسية مخدرة للإرادة فيصعب محاربتها، رغم كل أنهار الدم التي جرت في منطقتنا منذ أن جاءنا هذا الدراكولا الاستعماري الجديد في لبوس الناسك الزاهد…

فهذه هي “الديمقراطية الحمراء” التي تم تفصيلها على قياس منطقتنا بمسطرة الشرق الأوسط الكبير، في ظل أنظمة عربية سبق أن تم تفصيلها على قياس منطقتنا أيضاً، ولكن بمسطرة سايكس بيكو التي رسمت خطوط الأرض العربية المجزأة.
ولسوء حظ الشعب الفلسطيني، إنه لم يفهم معايير “الديمقراطية” الجديدة، فانتخب منظمة حماس لتمثله في قيادة دولته الناقصة السيادة، فكان هذا الخيار الحر كافياً ليُعاقَب بأقسى “العقوبات الديمقراطية”… عقوبة تجويع كافة الشعب الفلسطيني على أرضه إلى أن يستسلم ويعلن، أن الله حق وأن منظمة حماس “إرهابية”، وأنهم أخطأوا الاختيار، ولن يعيدوا تكرار هكذا أخطاء، لربما تغفر لهم الإرادة الإلهية في البيت الأبيض خطاياهم المتمثلة في رغبتهم برعاية مصالحهم خارج سيطرة “الديمقراطية” الاستعمارية الجديدة المخصصة لشعبنا العربي… وعسى أن يكون هذا الدرس كافياً ليتعلم الشعب العربي كيف يختار ممثليه بما لا يضر المصالح الغربية، والاستعمارية، وللشعب العربي الحرية الكاملة في التصرف فيما دون ذلك، إلا إذا كان كل ما دون ذلك أيضاً يمس تلك المصالح الاستعمارية…
ومادام شعبنا خانعاً وقانعاً، وغير معترضاً ولا ثائراً على تلك المصالح والسياسات الاستعمارية، فإنه سيتمتع بحياة الذل “الديمقراطي”، متجنباً قصاص “العقوبات الديمقراطية”، و”العقوبات الذكية”…
فأيها الشعب العربي… أحذر الحياة الكريمة، لأن فيها مخالفة للإرادة الإلهية في البيت الأبيض، وفيها القصاص “الديمقراطي”… وبالذل يعيش الإنسان جحيم الدنيا والآخرة…
وإلى أن يثور الشعب العربي ضد الذل والظلم والإرهاب الاستعماري… لنا حديث آخر…


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *