هل ترغبون في سماع صوت الشعب العراقي، بعيداً عن دوائر الزيف الثقافي والتشويه الإعلامي.. إذن إقرأوا الرسالة أدناه المعبّرة عن جزء من واقع الحال العراقي الراهن، والتي أرسلها لي أحد قرّائي من بغداد، رداً على بعض من المنظرين والمثقفين العرب، الذين يؤوّل كل منهم هذه الكارثة العربية والإنسانية نحو اتجاهاته الخاصة، عبر المؤتمرات والمقالات والتصريحات الصحفية، وهم جميعاً يتحدثون من خارج دائرة المعاناة.. إليكم ما يقوله العراقيون وهم يتشظون داخل نار المحرقة العراقية، وغداً تقرأون ردي على جزء مما جاء بها:
سيدتي الاستاذة سميرة بنت رجب المحترمه
تحية وتقدير: أعتذر عن عدم قدرتي متابعة مؤتمركم القومي العربي في المنامه بسبب ظروف الطاقة الكهربائية في بغداد وانقطاعها لساعات طويلة وهموم حياتنا اليوميه التي تسمعين عنها.
إلا أني تابعت جزءاً من اللقاء الصحفي الذي عقدته قيادة المؤتمر، وكنت سبق أن قرأت عن خلافات في المؤتمر بخصوص الموضوع الإيراني ولم افهم طبيعة الخلاف إلى أن رأيت السيد السفياني، رئيس مؤتمركم، وهو يرد بحدة وتشنّج على أحد الاسئله بخصوص الموقف الإيراني، بل يتهم كل من يتناول موضوع الخطر الإيراني وكأنه عميل للإمبريالية والصهيونية حتى أنه رفض السماح لأحد الحضور بالتعليق على الموضوع ما حدا بي إلى عدم متابعة المؤتمر الصحفي، وكنت جنابك سيدتي جالسة على المنصة دون تعليق.
سيدتي: أفهم إن إدارة المؤتمرات الصحفية تناط برئيس الجلسة والمؤتمر، ولكن ما لا أفهمه أن يُختصر الصراع الذي تعيشه أمتنا العربية في ظرفها الراهن بالصراع العربي الصهيوني وبالمقاومة اللبنانية، وإن النضال ومرحلة التحرر الوطني الذي يعيشه قطرنا العراقي المناضل يُختصر بل ويُختَزل أحيانا خوفا من التطرق للصراع المذهبي أو الطائفي، سموه ما شئتم انتم المناضلين العرب.

ويخرج علينا حسن نصر الله ليقول إن ما أنهى مشروع الشرق الأوسط الكبير هو مقاومة حزب الله والقوى التي تقف خلفه، وهو يعني إيران ومن خلال حرب تموز في لبنان، ومن ثم ليحذّر أي قوى عربية بتناول الشأن الإيراني لأن هذا خطٌ أحمر.
ويقف المقاتل العراقي وحيدا ليناضل ضد احتلالين أحدهما استعمار أمريكي غازي والآخر استعمار إيراني إستيطاني.. وتقف قوى الوعي القومي العربي مهللة صارخة معللة الخلاص من خلال المنقذ الإيراني الذي دعم المقاومة اللبنانية ومستعدة لتقديم رقبة المقاومة العراقية لتنأى عن نفسها صيغ السقوط في مستنقع الصراع الطائفي، ودعم الإرهاب، وهي الشماعة التي اتفق عليها كل من الإدارة الأمريكية والحكم في طهران وعملائهم من قوى الإسلام السياسي والقوى الشوفينية الكردية الحاكمة في بغداد لينعتوا بها المقاومة العراقية.
لم يمر على أية مقاومة في العالم ما مر على المقاومة العراقية بظروفها الداخلية والمحيطة، ففي ظل أحادية قطبية هي الغازية، وجار طامح بلعب دور اقليمي يكون منفذه العراق مستنداً إلى تأجيج قيم طائفية متخلفة ومظلومية تاريخية تم التنظير لها عبر زمن طويل تقف المقاومة العراقية وحيدة تقاتل من أجل شرف عربي يساوم الكثير عليه.
كنا نعيش في وطن نحمله في قلوبنا قبل عقولنا، والقلوب لا تعرف المساومات ولا أنصاف الحلول، وطن في تركيبته قبل الاحتلال تحمل نوعاً من التوازن كان مسيطراً عليه كعهد وعقد اجتماعي يحمل عوامل التسامح والسلام أكثر بكثير من عوامل التنازع والصراع، وكان الجميع يسير وفق رؤية مؤسسيه يكنون لها نوازع الانتماء المغلّف بالولاء أكثر من عواطف الكراهية المغلفة بالتمرد, وحتى عندما تواجه بالرفض فهو تعبير عن رفض رموزها والقبول بهيكلها وسياقاتها.. نوع من القبول بالتعايش والإيمان بالانتماء يواجهه حسب دورات الزمن والمتغيرات رفضاً للبرامج والرموز وتمردا على بعض سياقاتها.. وهو تمرد إن حضر فهو تمرد صراع سياسي ببرامج اجتماعية وليس صراعا اجتماعيا ببرامج سياسية يتمحور في إطار المذهب والطائفة والعرق والدين. كان هذا فهمنا لطبيعة الصراع قبل أن يأتوا لنا بثقافة المكونات، مفاهيم فكرية ذات طابع تناحري تصفوي تستند على ثقافة تجتر التاريخ بأدنى صوره عبر عملية تشويه منظمة لأهداف سياسية مغلفة بفلسفة ثيوقراطية بليدة تتلاعب بالمظلومية التاريخية لتحقيق أهدافها متكئين على مفاهيم الأغلبية والأقلية في رقعة جغرافية يعرفون إن حساباتها تسقط في أي إحصاء محايد وحقيقي، واستثمرت عوامل الجغرافية والتاريخ لتأسيس نوع من الصراع انعكست بعض صورها بعد الاحتلال في مواكب العزاء معبرة عن تصميم سياسي لمنظميها أكثر منها بكثير عن تراكمات أحزان لحدث تاريخي، ودفعت إلى الأمام ثقافة الولاء للطائفة والعرق فوق الانتماء للوطن والعروبة ومنها ظهرت ثقافة المكونات ليظهر لدينا محتلين احدهما غازي من خلال الولايات المتحدة والآخر استيطاني إيراني، وكانت المواجهة صعبة وحرجة ومركّبة وكان الثمن مليون قتيل فالرصاصات تأتي من كل الاتجاهات وبدأ الدفع للهجرة بصورة منظمة وخصوصا في بغداد ومحافظات الجنوب ليحققوا إرادتهم السياسية في نقاء المناطق ليصلوا لوطن قابل للتقسيم بلا تكاليف كبيرة لاحقه.
إتفق الجميع ممن احتل العراق على اسقاط معادلة الامن القومي العربي من خلال صيغ متعددة منها صراع مذهبي أو طائفي، سمه ماشئت، وتناحر عرقي لتبتدع وتلصق صيغة هجينة على الواقع العراقي بشكل برنامج فيدرالي وصولا لفرض واقع تقسيمي.
سيدتي: كان لنا الامل في لغة عربية واضحة تقومون بطرحها، سيما وأن مؤتمركم اخذ تسمية المؤتمر القومي العربي، للتعبير عن ارهاصات المواطن العربي في تشخيص الواقع الذي نعيشه وتحديد اعدائه والتعريف بمخططاتهم وما يتم لانهاء معادلة الامن القومي العربي، وصولا للغزو القادم بصيغ أخرى، وذلك من خلال ايضاح الأسس المشتركة التي تجمع قوى التحرر الوطني العربي والذي، بتصوري المتواضع، إن من يعبر عنها خير تعبير في الظرف التاريخي الراهن هي حركة المقاومة العراقية بكافة فصائلها.
سيدتي: احيلك لخطابيّ رايس ومتكي في مؤتمر شرم الشيخ، ولو طابقتهما لرأيت استخدامهما لنفس اللغة والمصطلحات فهما يدعمان الحكومة العميلة في بغداد والعملية السياسية التي نتجت عن الاحتلال ويقدمان الدعم السياسي والاقتصادي للحالة الشاذة في العراق فهما لهما نفس الاهداف ولكنهما يتصارعان على النفوذ.
أرجو من السيد السفياني أن يستمع لخطابهما قبل ان يتهم الآخرين بتاجيج الصراع مع إيران خدمة لمخططات أمريكا وإسرائيل، كما يدعي، وأتمنى عليه أن يأتي يوما بل ساعة إلى بغداد ليرى الاحتلالين الذي يعيشه العراق وحجم الدماء التي تسيل يومياً، ولو تمعنتي سيدتي في صورة الوفد العراقي، في المؤتمر، لقلتي أنه وفد إيراني وليس عراقي لأن معظمه إيرانيون يتكلمون اللغة العربية أو أكراد، وكما حصل في تمثيل العراق في مؤتمر القمة العربية، فهل قل في العراق من هم من العرب لميثلوه أم هي مسألة مقصودة.
أعرف سيدتي ومن خلال مقالات جنابك حرصك على العراق وعروبته وهو ما دفعني للكتابة لك من جديد بعد انقطاع طويل مرت الكثير من المياه في دجلة والفرات ودمرت الكثير من الجسور وبنيت الكثير من الاسوار.. ولككنا باقون في العراق لنحافظ على انتمائه، على الرغم مما نعيشه يوميا، حيث تأتي كل يوم قوات الاحتلال ومعها قوات الحكومة المعيّنه لتعتقل على الهوية في أحيائنا في بغداد وفق قوائم معدة، ولا يمر يوم إلا وهناك العشرات من الشباب والرجال يُعتقلون، إلا إن قدرنا وموقفنا أن نبقى في بغداد والعراق فهــو وطننا، ولن نسلمه.. سأل أحد قادة الكيان الصهيوني من هو العربي الجيد فأجاب انه العربي الميت، وهذا ما يُمارس الآن في بغداد من خلال قواتهم الأمنية ومليشياتهم كل يوم.
أذكر ابياتا لشاعر فلسطيني، أهو سميح القاسم أم محمود درويش لا اذكر ولا استطيع التأكد لأن كتبنا في الصناديق حيث إننا مرتحلين في مدننا ولا يوجد وقت لإخراجها فالظروف متغيرة… وقرأت القصيدة قبل ثلاثون عاما، يقول فيها شاعرنا:
فالوحش يقتل ثائرا… والأرض تنبت ألف ثائر
يا كبرياء الجرح لو متنا… لحاربت المقابر


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *