عراق حمورابي وبغداد أبو جعفر المنصور

هل كل ما نشاهده على الفضائيات من قصف يومي ولا إنساني للأبرياء ولعراق حمورابي ولبغداد أبو جعفر المنصور ولعاصمة الرشيد ولحاضرة العرب والمسلمين ولتاريخ وحضارة الرافدين العريقة بكل أسلحة الدمار هذه للتخلص من اسلحة الدمار؟ وهل حقاً تهدف الولايات المتحدة وبريطانيا بهذه الحرب البشعة، والتي يرفضها أكثر من 85% من سكان كوكب الأرض، لحماية الديمقراطية في العالم؟

هل هذه هي الديمقراطية؟ ... وهل تعريف الديكتاتوية اليوم هو ما يضعه الأقوياء لنا كما وضعوا تعريفهم للإرهاب؟ ...وهل فعلاً أصبح العالم لا يملك أية آلية تحمي الدول الصغيرة من بطش الدول الكبيرة ؟ أي تاريخ وأي زمن هذا الذي نعيش فيه؟ ... إنه رجوع سريع لشريعة الغاب والإنسان البدائي الذي لا يعرف غير القوة إسلوباً لحل خلافاته ... فأين المدنية وأين الحضارة من كل ما نحن فيه اليوم؟ 
يطالبون بالتحقيق مع العلماء العراقيين منفردين وخارج وطنهم بعيداً عن سيطرة ومراقبة حكومتهم ، بينما الشعوب العربية تقمع وتمنع من التظاهر والتعبير بحرية عن رفض هذه الحرب البشعة ... يطالبون بتحقيق الديمقراطية في العراق بينما الديمقراطية تعاني الأمرّين في جميع الدول العربية الواقعة تحت الهيمنة الدكتاتورية والاستخباراتية الأمريكية ... يسـعون لتحرير الشعب العراقي بينما جميع الشـعوب العربية مستعبدة، وهل الحرية والديمقراطية تأتي فوق حاملات الطائرات المحملة بجميع وسائل الموت والدمار ؟ وهل تنشر الديمقراطية مع انتشـار دمار قاذفات (بي 52) ؟ وهل الديمقراطية أصبحت مصطلح تحارب به الإنسانية والسيادة والوطنية ؟
الشعوب العربية قاطبة رافضة لهذه الحرب الإجرامية في حق العراق والعراقيين ... والشعوب العربية قاطبة غاضبة اليوم وهي تشاهد تلك المشاهد الإجرامية لألوف القنابل والصواريخ الأمريكية وهي تنزل على جميع المدن العراقية ... والشعوب العربية قاطبة تشعر بالإهانة والإذلال وهي ترى قوى البطش الأمريكية تستبيح الأراضي العراقية، والشعوب العربية قاطبة غاضبة من حكوماتها لعدم إهتمامها لما يجري لهذه الأرض العربية ولهذا الشعب العربي الأبي ... ورغم كل ذلك لم تتعنى أية حكومة عربية (غير ديكتاتورية!!!) بالقيام بأي عمل يتفاعل مع مشاعر هذه الشعوب ولو بكلمات فيها شيئ من الحياة والحياء أو بمواقف بها شيئ من الإيمان والوطنية والسيادة، فأين هي الحكومات العربية التي تدعي السيادة والكرامة ... إنها حكومات تعيش في واقع بعيد جداً عن واقع شعوبها كما تفتقد لأدنى قنوات التواصل بينها وبين شعوبها ، ويذكرني معظم ما يصدر من القادة العرب هذه الأيام بقصة ماري إنطوانيت عندما أبدت استغرابها من ثورة الشعب الفرنسي في شوارع باريس وهي ملكتهم، وعندما أجابوها بأنهم جياع لا يملكون الخبز ليأكلوه قالت لهم فاليأكلوا بسكويت أو كيك.
إن العراق الذي عاش أكثر من ثلاثة عشر عاماً تحت حصار ليس له مثيل على مدار التاريخ لا يزال، رغم كل محاولات الإذلال، قادراً على المقاومة ومصارعة الأعداء، ويجب أن نقر بأن أهم أسباب تلك المقاومة الباسلة هو إن العراق شعباً وحكومةً يتفاعل بمشاعر ومواقف موحدة وغير غريبة عن الواقع العراقي ، وهم يعرفون لماذا يحدث لهم ما يحدث، أي أنهم يملكون من الثقافة والوعي السياسي ما هو أعمق من الخلافات التي يمكن حلها داخلياً وبشتى الطرق. أما الدليل الآخر على ذلك الإتحاد في المشاعر والمواقف بين الشعب العراقي وحكومته هو إن جميع التوقعات التي وضعتها بيوت الدراسات ومؤسسات المساعدات الإنسانية بنزوح الملايين من العراقيين لخارج العراق بمجرد بداية الحرب، جميع هذه التوقعات فشلت فلم تسجل هذه المؤسسات خروج أي عراقي هرباً من الحرب، لا بل إن مختلف النشرات الإخبارية تؤكد بالنزوح المعاكس للداخل أي برجوع أعداد كبيرة من العراقيين إلى داخل العراق للمقاومة صفاً بصف أخوتهم هناك ، في الوقت الذي نشاهد هروب أعداد كبيرة من شعوب بعض الدول العربية المجاورة كما هربت رؤوس أموال خليجية وعربية للخارج مع بداية الغزو الأمريكي للعراق، فما هو التفسير لهذه الظاهرة ، أليس هو حالة الإتحاد في المشاعر والمواقف بين الشعب وحكومته في الحالة الأولى والعكس تماماً في الحالة الثانية، أليست هذه ظاهرة تستحق الدراسة.