"أصبح من المُسَلَم به لدى العلماء الاجتماعيين في العقود الأخيرة، أن المناهج السياسية التقليدية لم تعد كافية لفهم وتفسير السلوك الدولي، ولذلك برزت منهجية التحليل الثقافي كأساس لفهم حالات الصراع والتعاون بين الدول. ويمكن القول إن منهجية التحليل الثقافي برزت بعد التحولات الكبرى التي لحقت ببنية المجتمع العالمي . . وأبرز هذه التحولات قاطبة في نهاية الحرب الباردة وزوال النظام الثنائي القطبي . . ." (السيد ياسين/ محلل استراتيجي مصري)

منذ بدايات الاحتلال الأمريكي للعراق كتبت صحيفتنا رأيها وتحليلها لغايات وأهداف الولايات المتحدة الأمريكية في هذا البلد العربي المحتل، وعلى رأسها كان التقسيم الذي عمل الاحتلال على تهيئة كل ظروفه وبناه التفتيتية. بدءاً بتدمير كل مؤسسات الدولة ونهبها، ونشر العنف وخطف وقتل المدنيين على الهوية، وتفجير دور العبادة والأسواق والأوساط الشعبية المكتظة، وابتداع المحاصصة الطائفية في مؤسسات الدولة، وانتهاء بتدمير المدن والقرى وإحاطتها بالأسوار لعزلها عن بعض، وبناء الجدران العازلة بين الأحياء، وتهجير العراقيين بهدف تغيير ديموغرافية العراق المتجانسة، منذ ألاف السنين وتوزيع السكان على أسس طائفية وأثنية.. حتى جاء قرار الكونجرس الأمريكي، في سبتمبر 2007، بتقسيم العراق ليثبت صحة توقعاتنا . . ونظراً لخطورة هذا القرار نعيد نشر المقال أدناه (المنشور سابقاً) في شأن هذا التقسيم الذي يحاول الاحتلال وأعوانه، ضمن سلسلة أكاذيبهم المتواصلة، أن يقنعوا العالم بأنه ليس هدفاً أمريكياً بقدر ما هو ضرورة لأنهاء العنف والدمار، الذي جلبه الاحتلال لهذا البلد الأمن.

يقول الأستاذ الجامعي الدكتور أحمد المديني "نحن لا نعرف بالتحديد ما هو مضمون ثقافة العولمة، بقدر ما تعرّفنا على خطاب دعاتها الذين يتحدثون، في نظرنا، لغة استعمارية جديدة، أي لا تكاد تختلف في الجوهر عن محتوى الخطاب الكولونيالي، مع فارق أن المُخَاطَبِين يعيشون في ظل سيادة مزعومة، هي بالذات ما تنهشها القوى العولمية وتزيد في تهميش شعوبها واستلحاق نخبها بمدار قرارها" (ورقة حوارية بعنوان "العولمة بصيغة التنوع الثقافي"، منتدى أصيلة/المغرب، 14-17 أغسطس 2007).. ليؤكد لنا بأنه، أولاً: رغم ما أعلن عن استقلال الدول العربية، إلا إنها لازالت في الحقيقة فاقدة السيادة بسبب الهيمنة الغربية عليها.. ثانياً: إننا نعيش عصر استعماري جديد في خطابه وقديم في مضمونه.. ثالثاً: إن دعاة العولمة هم المروجون للخطاب الاستعماري الجديد... وبهذه الحقائق الثلاثة يضعنا الكاتب أمام صورة واضحة ومعتمة للفترة الكارثية التي تمر بها المنطقة العربية بما أُعِدّ لها في المخططات والاستراتيجيات الاستعمارية القديمة والجديدة، حتى باتت لشدة هزالها مرمى لأهداف مختلف القوى الإقليمية والدولية، وسلعة في مقايضات تلك القوى والأطراف المتصارعة على مناطق النفوذ والسيطرة في العالم..
نعم، تعيش هذه الأمة زمناً صارت فيه سلعة للمقايضة بين القوى الطامعة في أرضها وثرواتها، وحتى تاريخها وتراثها اللذين باتا مادة للسرقة والتحريف بالملكية والتزوير في التدوين.. ولتتأكدوا أننا كأمة وأرض وهوية وتاريخ تحولنا إلى مادة للمقايضة تمعّنوا بالتالي:
نضع بين يديك، عزيزي القارئ، نماذجاً موثقة لبعض المؤامرات التي تم حبكها ضد العرب لضرب مصالحنا وتحقيق أهداف ومصالح أطراف دولية وإقليمية.. ونهدف من ذلك إلى، أولاً: لفت الانتباه لحجم المؤامرات التي تحاك لهذه الأمة، رغم اعتراض البعض من دعاة العولمة على نظرية المؤامرة، والذي يراد منه تهميش هذه الحقيقة لصالح المتآمرين.. ثانياً: إنعاش الذاكرة العربية ودعمها بالوثائق التي تؤكد الكثير من الطروحات التي لم تجد لها إثباتاً توثيقياً محكماً خلال العقود الماضية..

جاء في الآية الثانية من سورة يوسف قول الله العلي العظيم: "إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون" فأعز الخالق أمة العرب بالإسلام، آخر رسالاته السماوية.. وأعز الإسلام بالعرب.. وبقيت هذه اللغة العربية حافظةٌ للقرآن كما حفظ القرآن اللغة العربية..
من هنا أبدأ في التعريف باللغة كأوثق الأواصر التي تربط بين الأمم وأجناسها، حيث تبقى لُحمة اللسان أقرب وأمكن اللُحم الرابطة بين البشر، وأحياناً تكون أقرب من لُحمة الدين، بدليل إن العرب كانوا نصارى ويهوداً وصابئيين ووثنيين قبل الإسلام، فتعددت أديانهم وجمعتهم العروبة واللسان العربي.. وكان للعرب أشعارهم الوطنية التي تناشدوا بها باللسان العربي وكان منظميها من نصارى ويهود ووثنيين، مثل السموأل اليهودي وأمرؤالقيس وعمرو بن كلثوم النصرانيان، كما كان الأخطل النصراني شاعر الخلافة الأموية وهو من أشد منافسي الفرزدق وجرير المسلمين.. إذن كان العرب عرباً قبل الإسلام، مع تعدد أديانهم، بلغتهم العربية..