لا يزال القرار الرسمي الخليجي غائباً تماماً عن الصراع الدائر حول مصير ومستقبل المنطقة، سواء ذلك الصراع الخفي بين القوى الدولية الاستعمارية القديمة والجديدة من جهة، أو الصراع العلني بينهم من خلال واجهات إقليمية من جهة ثانية، أو الصراع الناتج عن تداخل وتقاطع أهداف ومصالح هذه القوى وواجهاتها الإقليمية التي تعد نفسها لتكون وكيلاً للاستعمار وشريكاً مهيمناً على مصالح المنطقة من جهة ثالثة... والأكثر مأساوية هو ما بدأ يطفو على السطح من مظاهر الخلاف أو التنافر (وعدم الثقة) بين الأنظمة الخليجية، وما لذلك من علاقة مباشرة بتنافس هذه الأنظمة، كل على حدة، بتعزيز علاقاتها (التحالفية) مع الإدارة الأمريكية، وما لكل ذلك من تأثير مباشر في تكبيل القرار الرسمي الخليجي مما يجعل هذه الأنظمة تبدو بلا حول ولا قوة حتى في مواجهة الفوضى والمشاكل الناتجة عن تلك الصراعات على الساحة المحلية في بلداننا.

لا يزال الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش مستمراً في الكذب على شعبه والعالم، والتباهي بإدارته وسياساتها الخارجية الاستعمارية المستلهمة من الإرادة الربانية، بما فيها قراره بشن الحرب على العراق بناءاً على التقارير الاستخباراتية الخاطئة (وهي في الحقيقة كاذبة بسبق الاصرار والترصد)، وكل ما نتج عن تلك الحرب اللاشرعية وغير المبررة الأسباب والأهداف... لازال يتباهى بكل الدمار والموت الذي ينشره على أرض المعمورة، رغم كل ما يجري في الشارع الأمريكي من معارضة مباشرة وعنيفة ضد الحرب واستمرار احتلال العراق الذي يعيد لهم أبنائهم يومياً بالمئات محملين على النعوش المغطاة بالعلم الامريكي وعلى عربات المعاقين ذات الدفع الآلي، ورغم معارضة كل العالم لهذا الإحتلال الذي يزيد من وقود العنف والعنصرية بين مختلف النِحّلْ والأمم في كل انحاء العالم.
في آخر مؤتمر صحفي للرئيس بوش (19 ديسمبر 2005)، صرف أمام الحضور الكثير من الأكاذيب مذكراً شعبه بما وعدهم قبل عام حول ما سيحققه من انجاز ديمقراطي سريع في العراق، وأنه قد تمكّن من تنفيذ وعده بنجاح "الديمقراطية" في الانتخابات الأخيرة التي شارك فيها كل فئات الشعب بما فيهم "السنة"... ويعلم الرئيس الأمريكي وكل معاونيه وإدارته إن الهدوء النسبي الذي ساد العراق يوم الانتخابات كان بإرادة المقاومة العراقية، في محاولة لإنقاذ العراق من مخطط التقسيم الطائفي الذي ستقوم به أية حكومة شيعية موالية لإيران تأتي من خلال هذه الإنتخابات، رغم رفض المقاومة وكل أبناء العراق الأحرار لكل العملية السياسية الأمريكية.

لقد كُتبَ وقيل الكثير، حول لا شرعية محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين بواسطة محكمة لا شرعية نصبها الاحتلال اللاشرعي الذي أطاح بحكمه وأَسَرَهُ في سابقة لاشرعية بكل معاييرها القانونية والسياسية والإنسانية، لذلك، فإننا لسنا بحاجة لقول المزيد في ذلك... إلا إن هناك حاجة ملحة إلى توضيح الكثير من الأمور التي جاءت بهذه المحاكمة ومعها... هذه المحاكمة التي تُعقَد وتُؤجَل جلساتها حسب مواعيد وتواريخ منتقاة ومحددة بواسطة البنتاجون لتخدم أهداف وأغراض خاصة بسياساته التي أوصلت القوات الأمريكية لأتون حرب ضروس كانوا يملكون قرار بدئها إلا إنهم لا يملكون قرار وشروط إنهائها... فتلك المحاكمة في مجملها نُصبت، أولاً: لتغطي وتُصرف الأنظار عن جرائم الاحتلال من جهة، وخسائره ومأزقه المتصاعد في العراق من جهة أخرى... ثانياً: لتوجيه الانتباه عن الفشل الذريع لسياسات الإدارة الأمريكية في ما يدعى بإعادة إعمار العراق الذي لم يتحقق منه أي شئ ألبته، بل على العكس، فقد بدأت أصوات العراقيين ترتفع لمعاناتهم من عدم توفر الأمن الشخصي لأي فرد في العراق الذي تحوّل إلى أخطر مكان في العالم، وعدم توفر الكهرباء والماء الصالح للشرب أو البنزين كوقود، وعدم توفير أولويات البنية التحتية في كل الخدمات الصحية والأمنية والتعليمية وغيرها...

لقد أضعنا الحساب في ملاحقتنا للأكاذيب الأمريكية، والغربية، ويبدو إن الديمقراطية الغربية تعتمد على الكذب كقاعدة والصدق هو الشاذ في سياساتها، لذا سنحاول أن نقلب النظرية ونقوم بتعداد حالات الصدق (إن وجدت) لدى هذه الليبراليات العظمى… ولنتابع ما طفح على السطح مؤخراً من الجرائم "الديمقراطية" و"الليبرالية" في حق البشرية.
في نوفمبر الماضي، وخلال أسبوع من الأسابيع الأمريكية السوداء، كشف الإعلام الأوروبي الدفعة الجديدة من أكاذيب وجرائم الولايات المتحدة في ما يدعى بـ "الحرب على الإرهاب"، ليرفع الستار عن أعداد من السجون الأمريكية السرية، التي سمّيَت بـ "البقع السوداء"، والمنتشرة في أنحاء العالم، ما بين آسيا وأوروبا، دون أن تكون للدول التي تقوم هذه السجون على أراضيها أي علم بها، أو نفوذ عليها…