كوبونات البنتاجون، والسجون الطائرة، والبقع السوداء، و..، و..، و من الديمقراطية الأمريكية

لقد أضعنا الحساب في ملاحقتنا للأكاذيب الأمريكية، والغربية، ويبدو إن الديمقراطية الغربية تعتمد على الكذب كقاعدة والصدق هو الشاذ في سياساتها، لذا سنحاول أن نقلب النظرية ونقوم بتعداد حالات الصدق (إن وجدت) لدى هذه الليبراليات العظمى… ولنتابع ما طفح على السطح مؤخراً من الجرائم "الديمقراطية" و"الليبرالية" في حق البشرية.
في نوفمبر الماضي، وخلال أسبوع من الأسابيع الأمريكية السوداء، كشف الإعلام الأوروبي الدفعة الجديدة من أكاذيب وجرائم الولايات المتحدة في ما يدعى بـ "الحرب على الإرهاب"، ليرفع الستار عن أعداد من السجون الأمريكية السرية، التي سمّيَت بـ "البقع السوداء"، والمنتشرة في أنحاء العالم، ما بين آسيا وأوروبا، دون أن تكون للدول التي تقوم هذه السجون على أراضيها أي علم بها، أو نفوذ عليها…

وفجأة بدأت المطارات الأوروبية، وخصوصاً الألمانية والفرنسية، تتابع وتكشف رحلات السجون الطائرة لطيران وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) التي مرّت وتمر على مطاراتها في نقلها للمتهمين الذين تختطفهم السي آي أي من مختلف بقاع العالم لتخفيهم في تلك السجون ولا يعود لهم أثر أو ذكر، حيث يتم الاستجواب والتعذيب بعيدا عن الإعلام والمراقبة أو الكشف…
وسبق هذه الأخبار نشر فضيحة قصف القوات الأمريكية لمدينة الفلوجة بقنابل الفوسفور الأبيض المحرمة دولياً، ليكشف النقاب عن استخدامها مختلف أنواع أسلحة الدمار الشامل والمحرمة دولياً في الحرب على العراق مثل قنابل النابالم، والقنابل العنقودية، ورؤوس حربية مغلفة باليورانيوم المنضب تسمى " النجوم البيضاء" في غزو العراق وحربها على المدن العراقية، مثل الرمادي والفلوجة وتلعفر وسامراء وغيرها. كما أكّد خبير الأسلحة الكيماوية البريطاني، داي ويليامز، إن القوات الأنجلوأمريكية استخدمت القنابل النووية التكتيكية لقصف القصور الرئاسية، ولحسم معركة المطار في الأسبوع الأخير من الحرب على العراق.
أما خبر نية جورج بوش بضرب قناة الجزيرة في الدوحة، فإنه يؤكد تماماً إن قصف القوات الأمريكية لمقري قناة الجزيرة في أفغانستان وفي العراق، وقصف مقر إقامة الإعلاميين في فندق فلسطين في وسط بغداد، وقتل العدد غير المسبوق للإعلاميين منذ بدء "الحرب ضد الإرهاب" وحتى اليوم، كل ذلك لم يكن عشوائياً خاطئاً كما ادعت قيادة القوات الأمريكية في حينها، لا، بل كان بسبق الإصرار والتعمد، بموجب خطة أمريكية لإقصاء الإعلام عن نشر أخبار حروبها اللاإنسانية من مواقع الأحداث مباشرة... هكذا تُمارَس "حرية التعبير عن الرأي" في الديمقراطيات الغربية العريقة...
وفي نفس الفترة، رُفِعَ الستار (أوروبياً) عن سياسات الولايات المتحدة الإعلامية في العراق، فكُشِفَت العمليات الأمريكية في تزوير الحقائق ونشر الأكاذيب وذلك بقيام البنتاجون بدفع مبالغ مالية إلى مجموعة من الصحف العراقية (رشى البنتاجون) لتجاهل وقائع الأوضاع المزرية للقوات الأمريكية والشعب العراقي، ولنشر الأخبار "الوردية" عن العراق الجديد، وإيجابية الاحتلال الأمريكي حسب ما يبعثها لهم البنتاجون نصاً… ومن مهزلة المهازل في هذا الخبر إن أشهر المستلمين لـ"كوبونات البنتاجون" المالية هو رئيس تحرير صحيفة "المدى" العراقية "فخري كريم"، الذي ابتدع أكذوبة "كوبونات صدام"…
وفي هذا المجال يمكننا كشف أكاذيب هذا الإعلام بمتابعة اعترافات الخبراء والقادة العسكريين القادمة مباشرة من الخطوط الأمامية في جبهة القتال بالعراق... بدءاً بما جاء على لسان الكثير من الضباط الأمريكيين الكبار المشاركون في اجتماع لقيادة العمليات الخاصة (19-20 أكتوبر 2005، في تامبا، فلوريدا)، حيث كان تقييمهم للوضع العراقي على أنه "انتفاضة شعبية عامة ليست مقتصرة على الأقلية السنية"... أما "الجنرال جوزيف تالوتو، قائد المنطقتين الشمالية والوسطى في العراق، فإنه يعترف بأنهم يعانون يومياً وبدون انقطاع، من العبوات الناسفة المصنعة محلياً والتي تؤدي إلى إلحاق خسائر كبيرة في صفوفهم"، وفي هذا الموضوع قدّم الجنرال، جام كونوي، مدير العمليات في هيئة القيادة العسكرية الأمريكية، تحليلاته "إلى أن بالإضافة إلى تعدد أنواع القنابل المصنعة محلياً، هناك كمية كبيرة من الأسلحة التي تصل عبر الحدود والتي لا يمكن السيطرة عليها لكثرة الثغرات فيها"... أما الجنرال ريك لينش، فإنه يفيدنا بأن "عدد الهجمات التي قامت بها المقاومة خلال أسبوع واحد (نهاية أكتوبر وبداية نوفمبر 2005) بلغت 569 عملية، و40% من هذه الهجمات كانت بقنابل مصنعة محلياً والتي أدت إلى مقتل 64% من القتلى الأمريكيين"... وهناك سيل من هذه الأخبار التي تصف حقيقة الوضع الكارثي للجيش الأمريكي في العراق عكس ما تعلن عنه صحف المارينز، والتي كلها تصب في حتمية وقرب الانسحاب الأمريكي من العراق.
فهل هذه هي الديمقراطية التي تدعو لها الولايات المتحدة!... وهل الكذب والحروب والجرائم ضد الإنسانية التي تُمارس باسم الديمقراطية، هي أفضل من الديكتاتوريات التي تعايشنا معها!... أم إننا دخلنا عصر الديمقراطيات الديكتاتورية؟