اختلطت المفاهيم في مجتمعاتنا حتى بات الناس لا يميزون بين المثل والقيم العليا، وبين النفعية والذاتية التي وصلت إلى حدودها التآمرية على مصالح الوطن والشعب . . ولم تصل مجتمعاتنا إلى هذه الفوضى والاضطراب الثقافي بشكل تلقائي وطبيعي بقدر ما هي نتاج عمل منظم ومؤطر لأهداف تم تحقيقها بإيجاد مجتمعات عربية هلامية لا يمكن تحديد شكلها، وهشة لا تتحمل ضغطاً تحت أدنى درجات القوة . . .
وإن كان هذا هو حال المجتمعات العربية عموماً، فإن المجتمع العربي في الخليج له النصيب الأكبر في هذه المواصفات التي انكشف المستور منها مع الانفتاح الثقافي والسياسي الذي صاحب عمليات الإصلاح في دوله، منذ بداية القرن الحالي . . .

لا أعلم إن كانت المؤتمرات العربية تحقق الحد الأدنى من أهدافها بما يجعلها تستحق تكاليفها، إلا إنني أملك شبه يقين بأن الغالبية العظمى من هذه المؤتمرات، حسب المنظور، لا تحقق الأدنى من الحد الأدنى من أهداف انعقادها..
ويأتي مؤتمر القاهرة (2005) ومؤتمر مكة (2006)، في الشأن العراقي، ضمن هذه المؤتمرات غير المجدية بالتأكيد، حيث يقعان في خانة إضاعة الوقت والجهد، دون تحقيق أي نتيجة، رغم العلم المسبق بهذه الحقيقة لدى القائمين على تحضيرهما. ودون الدخول في تفاصيل ما صدر عن مؤتمر مكة مؤخراً، فإن جهوده لن تتعدى جهود مؤتمر القاهرة الذي سبقه، دون أن يستفيد العراق والعراقيون منهما بأي وجه من الأوجه، وبأي مستوى من المستويات.
وفي الجانب الآخر يمكن القول بأن الحالة العراقية الخطرة بقدر ما هي حالة شديدة التعقيد إلا إن حلولها بسيطة ولا تصعب على أطرافها..

في العام 1953، وفي إحدى جلسات المحكمة العسكرية التي كانت تحاكمه بعد فشل محاولته الانقلابية على نظام الشاه، قال الدكتور محمد مصدق، رئيس الوزراء الإيراني الأسبق، وبطل تأميم النفط الإيراني، "يا حضرات القضاة، إن الفيلق الديني الذي وقف معكم لإسقاط حكومتي، لو تحلقون لحاهم سترون على رقابهم ختماً يقول (ساخت إنجليز) أي صنع في إنجلترا" (من جلسات المحاكمة العسكرية للدكتور مصدق)... وضجت قاعة المحكمة لهذه المقولة بصرخات ثائر رافض للمحاكمة وساخر مستنفع منها..
وها نحن نعيش اليوم أحداث لا نجد لها تفسيراً لشدة تضاربها مع مصالحنا الوطنية إلا بما قاله هذا الحكيم الإيراني الوطني قبل أكثر من نصف قرن..

وبعد التحليل السابق، وبتاريخ 20 نوفمبر 2006، أعلنت المقاومة رؤيتها عن المرحلة القادمة التي وضعتها على أسس معينة بدءاً بإن الحزبين (الأمريكيين) كلفا لجنة بيكر لغرض إيجاد حل للحرب مع الإحتفاظ بالهدف الإستراتيجي الأمريكي... وإن الكونغرس الجديد يحتاج إلى شهرين لممارسة عمله والوقوف أمام المشاريع الحربية الدائرة وجيشهم الذي لازال حراً في العراق بقيادة (أبو زيد) الذي يريد تخويف العالم بحرب عالمية ثالثة في حال الانسحاب.. وإن للرئيس الحالي سنتين سيستمر خلالهما في حربه بالإلتفاف على الكونغرس، "إلا إذا أجبره الضغط السياسي من الداخل للإنسحاب أو ربما تنحيته بسبب فضائح قانونية صارخة كما حصل مع نيكسون، والدليل أنه إختار وزيراً جديد للدفاع من دهاليز المخابرات أسوأ من رامسفلد، فهو بطل تنظيم حروب الخليج والشرق الأوسط".. وبناءاً عليه، تركز المقاومة على إنه "يجب أن لا يتسرع أحد ويتصور أن المحتل راحلٌ غداً، فهو لن يرحل إلا بعد قتال مرير وتضحيات هائلة".. وتعيد قولها بإن المحتلين "سيفجرون حرب الطوائف علناً" وبيد الميليشيات، ليثبتوا للعالم بأن "طائفتهم في خطر لتدخل إيران مباشرة وعلناً لحمايتهم وإدارة الجنوب كإقليم، إقتصادياً وسياسياً".. وسينجلي الغبار حينها عن مرتكبي هذه المذابح والتفجيرات في العراق..
ولكن الأهم من كل هذا هو الأهداف الامريكية في هذه الحرب، والتي تقول عنها المقاومة إنها "أولاً: التحكم بمخزون النفط العراقي الذي يزيد عن السعودي ليصبح القرن الحالي للطاقة أمريكياً، والإحتفاظ به كإحتياط لأمريكا، والدليل أن الإحتلال لم يصرف دولاراً واحداً لحفر بئر جديد أو لصيانة بئر قديم، بل هناك فقط دراسات لمخزونات النفط والغاز وسرقة بحوث الشركات الروسية والفرنسية.