مما لا شك فيه إن الإنهيار المالي الأمريكي-الغربي، وما رافقه من فقدان الثقة والمصداقية في المؤسسات المالية الأمريكية والغربية، جاء استكمالاً للسقوط والإنهيار المدوي لسمعة الإدارة الأمريكية والسياسات الغربية، ومصداقيتهما في العراق وأفغانستان، والذي سبقه السقوط الأخلاقي الذي لحق بهذه الإدارة على مدار التاريخ في التعامل مع حلفائها قبل أعدائها.. نعم، فإن السقوط بدأ منذ ذلك الوقت.. منذ غزو واحتلال العراق وتدمير هذا البلد العريق وتحطيم وتشريد شعبه.. فبمقارنة بسيطة بين كم العمليات المالية الملتوية والوهمية التي اعتمدتها المؤسسات المالية الأمريكية، والتي أدت إلى هذا الإنهيار المالي غير المسبوق عبر التاريخ، وبين حجم وعدد الأكاذيب التي صنعتها واستعملتها الإدارة الأمريكية لغزو واحتلال العراق الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ، لوجدنا أن هناك تشابه تام في الإسلوب والأداء، وتطابق في النوايا بالنسبة للكارثتين.. الإسلوب والأداء هما الخداع والكذب.. والنوايا هي الوصول للثروة غير المشروعة...

معالي وزير خارجية مملكتنا الحبيبة: لابد أنكم تعلمون أن مبادرتكم، حول إنشاء منظمة إقليمية تجمع العرب مع تركيا وإيران وإسرائيل، ستواجه برفض شعبي عربي قاطع.. ولطالما لم يكن للرأي الشعبي العربي (الذي لم يتمكن من تكوين رأي عام ضاغط) أي اعتبار لدى الانظمة العربية عند صناعة أي قرار مصيري أو أدنى.. وبالجانب الآخر، لطالما كانت هذه القرارات ليست في صالح شعوب المنطقة ولا مستقبلها، ولا حتى أنظمتها.. ولربما الواقع المتوتر، الذي تعيشه دولنا العربية، منذ سقوط جدار برلين، يعد مؤشراً على صحة ما نقول، وخصوصاً إن المنطقة باتت تعيش تحت هاجس التهديد المباشر من أكثر من عدو، ولم تعد شعوبنا وأنظمتنا تميّز بين الحليف والعدو في ظل سياسات دولية وإقليمية قائمة على قاعدة عريضة من الخدع والأكاذيب، وصورة قاتمة للتحالفات الخفية، وخوف مشروع من الأجندات والمشاريع الاستعمارية المتنافسة والمتصارعة.. ولكن رغم ذلك نرجو أن تقرأوا رأينا وأنتم تتابعون خطوات مسيرة مبادرتكم ونتائجها المستقبلية.. لربما..!!..
معالي الوزير.. يبدو جلياً إن مبادرتكم قد تبلورت من خلال قناعات سياسية آنية قائمة على تداعيات احتلال العراق وما نتج عنه من خلل في موازين القوى الإقليمية.. ومن خلال منظور ثقافي ذو بعد واحد، هو من مخرجات ثقافة مابعد الحرب الباردة المحدودة برؤيتها للواقع من زاوية واحدة، واعتبار الزوايا الأخرى، أو الرأي الآخر، من مخلفات الماضي الذي لم يعد مناسباً لهذا العصر الأمريكي بامتياز.. وأرجو أن تتفقوا معنا على أن هذا الواقع السياسي والثقافي الذي نعيشه ونمارسه هو صناعة خارجية، وليست من صناعتنا.. فأولئك يصنعون الأحداث، ونحن نصنع لها الشرعية بقرارات غير استراتيجية.. بمعنى إن كل قرار تصنعه القيادات العربية، لا تعرف ما الذي سيأتي بعده.. هل القادم إيجابي أم سلبي..

في إحدى ليالي العشر الأواخر من رمضان اتصل بي زوجها "أبو إياد الأحوازي"، اللاجئ السياسي في إحدى الدول الأوروبية، يستصرخ ألماً، وهو يطلب مني أن اقوم بأي عمل لإنقاذها، بعد أن ألقت السلطات السورية القبض عليها أثناء توجهها إلى مطار دمشق برفقة أطفالها الخمسة، لتستقل الطائرة إلى لقاء والدهم، وهو الهارب من بلاده بعد أن ذاق مرارة السجن والتعذيب، وأقفلت أمامه كل سبل العيش في بلاده . . الأحواز . .
قال بحرقة "منذ هروبي من بلادي، من الأحواز، بعد انتفاضة أبريل 2005، واللجوء إلى هذا البلد الأوروبي، تعرضَت زوجتي وابني، الذي لم يبلغ سن المراهقة بعد، للسجن والتحقيق في السجون الإيرانية عدة مرات، وبعد أن حصلتُ لها على حق اللجوء السياسي إلى حيث أعيش، هربَت مع أطفالها، في مايو 2008، بأوراق مزورة، ووصلت إلى الأراضي السورية معتبرة نفسها امرأة عربية دخيلة على أبناء عمومتها العرب وفي حمايتهم حتى تنهي إجراءات سفرها لدى المفوضية السامية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لتلتحق بزوجها . .

لربما يعتقد أولئك المخططون لحوادث العنف في البلاد، أنهم باستخدامهم المولوتوف يكونون في مأمن من العقاب الصارم من حيث أنه ليس من الممنوعات الشديدة الخطورة، وأنه أداة ردع وترهيب أكثر منه سلاح يؤدي إلى الموت الأكيد (كالمسدس والرصاص والأسلحة الأخرى، وهذا ما جاء على لسان بعض النواب والساسة المعارضين لتشريع قانون تجريم استخدام المولوتوف).. وخصوصاً إنه لم يُعاقَب أحدهم على استخدامه رغم تزايد حوادث المولوتوف في البحرين ووضوح مشهد عمليات هذه الجرائم الإرهابية..
ولكن عندما تتحول قرى وأحياء معينة إلى مناطق مغلقة على قاطنيها، وأماكن يخاف المواطنين الآخرين دخولها أو المرور عبر مداخلها، ويكون رجال الأمن مستهدفين فيها، ويكون العنف والمولوتوف سلاحا لعزل تلك المناطق عن باقي مناطق البلاد، فإننا في هذه الحالة نكون أمام ظاهرة جديدة وخطيرة، ألا وهي ممارسة العنف المنظم في مرحلة متقدمة هي الأكثر خطورة على سيادة الدولة، ووحدة البلاد، وأمن المواطن والمجتمع.. وهذه الظاهرة، والمرحلة هي أحد أهم وأخطر مخرجات الأحداث الطائفية التي بدأت في منتصف التسعينيات..