قتل المواطنين ورجال الأمن.. معارضة أم إرهاب؟!!

لربما يعتقد أولئك المخططون لحوادث العنف في البلاد، أنهم باستخدامهم المولوتوف يكونون في مأمن من العقاب الصارم من حيث أنه ليس من الممنوعات الشديدة الخطورة، وأنه أداة ردع وترهيب أكثر منه سلاح يؤدي إلى الموت الأكيد (كالمسدس والرصاص والأسلحة الأخرى، وهذا ما جاء على لسان بعض النواب والساسة المعارضين لتشريع قانون تجريم استخدام المولوتوف).. وخصوصاً إنه لم يُعاقَب أحدهم على استخدامه رغم تزايد حوادث المولوتوف في البحرين ووضوح مشهد عمليات هذه الجرائم الإرهابية..
ولكن عندما تتحول قرى وأحياء معينة إلى مناطق مغلقة على قاطنيها، وأماكن يخاف المواطنين الآخرين دخولها أو المرور عبر مداخلها، ويكون رجال الأمن مستهدفين فيها، ويكون العنف والمولوتوف سلاحا لعزل تلك المناطق عن باقي مناطق البلاد، فإننا في هذه الحالة نكون أمام ظاهرة جديدة وخطيرة، ألا وهي ممارسة العنف المنظم في مرحلة متقدمة هي الأكثر خطورة على سيادة الدولة، ووحدة البلاد، وأمن المواطن والمجتمع.. وهذه الظاهرة، والمرحلة هي أحد أهم وأخطر مخرجات الأحداث الطائفية التي بدأت في منتصف التسعينيات..


إن التعرض المباشر لقتل مواطنين عزّل في حادثة دمستان، وقبلها قتل رجل الأمن في أثناء تأدية واجبه، وسرقة الأسلحة، وغيرها من حوادث العنف المستمرة منذ فترة (بدأت بعد مايو 2006 وهو تاريخ التهديد باستعمال السلاح أعلنه في مسجد المؤمن بالمنامة أحد زعماء المرحلة السابقة)، تعد كلها تهديداً مباشراً للسلم الاجتماعي وتقويضاً لأمن الوطن والمواطنين وتحدياً علنياً ودؤوباً لإلغاء سلطة الدولة والقانون عن مناطق محددة في البلاد، بهدف عزلها وفرض سلطة الطائفة عليها..
ومن المؤسف إن العقاب المباشر سيقع على أولئك المغرر بهم من الشباب المنفذين للعنف، بينما هناك أطراف عديدة محرضة ومخططة لتلك الأفعال تعمل في خطوط أخرى، تبدأ بالمنابر الدينية ولا تنتهي بالوسائط الإعلامية المتمثلة في الصحافة الورقية والألكترونية، وتلك الفضائيات والإذاعات الموجهة على المنطقة، وغيرها من المنشورات المقروءة والمسموعة والمرئية التي تزخر بها مكتباتنا، ولا نعرف كيف يتم طباعتها محلياً أو دخولها عبر منافذ البلاد، لتصب كلها في توليد حالة من المشاعر المعادية والمحرضة والمعبئة بالعنف والانتقام والتطرف، والاستهزاء من هيبة الدولة وإلغاء سيادة القانون..
وهذه الأطراف (الدينية، الإعلامية، السياسية، والتدريبية) تتوجه مباشرة للعقول الشابة، وتعتمد على تلك السواعد الفتية للضرب بها، وفي الخلف يقف أولئك السياسيون، والأقلام المنظمة والمدربة، لتشغيل عجلة التبرير وخلق الذرائع لتلك الجرائم، ومن ثم توجيه الرأي العام بعيداً عن مسرح الجريمة، للتخفيف من آثارها السلبية، وتحريض الأهالي للتصدي لأي حكم أو قانون يعاقب أبنائهم على ما اقترفت أيديهم، من جهة، وتحريض الأطراف الحقوقية للدفاع عنهم من جهة أخرى.. وهكذا تسير عجلة العنف دون أن نعرف اين ستقف، أم سيتم ردع هذا الإرهاب للحفاظ على استقرار البلاد والتخفيف من روع المواطنين..
إن ممارسة العنف في البحرين يتم في خطين متوازيين.. الأول: هو الخط المنفذ الذي يقع تحت طائلة القانون والمساءلة والعقاب المباشر، وأغلبهم من أبنائنا الصغار ممن يسهل التغرير بهم وحشو أدمغتهم ببعض الشعارات البطولية .. والآخر (والأكثر خطورة): هو المتمثل في القائمين على التخطيط من خلال الاستقطاب بالتعبئة المباشرة وغير المباشرة، عبر مؤسستين رئيسيتين وهما: دور العبادة والإعلام..
وبقراءة بسيطة لخطب المنابر الدينية، وتحليل فئة الحاضرين والمستمعين لهذه الخطب، وبمتابعة بسيطة لمضمون بعض الصحف والأقلام الطائفية في البحرين، يمكن اكتشاف حجم الخطر الذي يقع على فئة الشباب البحريني، من خلال ما تمارسه هذه الأطراف من دور تعبوي وشحن لمشاعر الغضب ضد الدولة ومؤسساتها، وتحريض ضد سيادة القانون، وإلغاء لهيبة الدولة المتمثلة في رموز الحكم (وللمراوغة، لا ينسون في كل مرة الثناء على المبادرة الإصلاحية ودور جلالة الملك)..
وفي كل هذا تمارس الأطراف المذكورة إسلوب التذاكي المهني تارة، وشحذ العاطفة الدينية تارة أخرى، مستغلة سياسات الانفتاح الإعلامي وحرية النشر والتعبير والمعتقد في تحريض شبابنا وشحن عقولهم برؤى سلبية وتحقير وتحدي سلطة مؤسسات الدولة، عوضاً عن العمل على تربية الشباب على احترام القانون والدفاع عن أمن وسلامة وسيادة البلاد..
وأخيراً، نسأل تلك القيادات السياسية (في الأحزاب ودور العبادة) الذين ما فتئوا يبررون تلك الجرائم الإرهابية التي باتت تمس أمن المواطنين الأبرياء، وأمن من يقوم على حماية أمنهم في أجهزة الشرطة والداخلية، كما تمس أمن واستقرار وسيادة الوطن.. نسألهم: ياترى لماذا لم تصدر فتوى بتحريم العنف ضد الدولة والوطن والمواطنين في البحرين، كما أصدرت مرجعياتهم الدينية فتوى تحريم العنف والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأمريكي في العراق؟؟!!.. أم إن الهدف من وراء زعزعة الأمن في البحرين هو ذات الهدف الذي تحقق من زعزعة أمن الشعب العراقي، ألا وهو بناء الجدران العازلة (الطائفية) بين الأحياء والقرى البحرينية اقتداءاً بالسياسة الأمريكية في بلاد الرافدين؟.. ولا بد من الإشارة هنا إلى إن المشكلة المفتعلة حول ما يُدعى بـ"إسكان القرى الأربع"، والمتمثلة في مطالب الكتل الطائفية بتوزيع بيوت الإسكان، التي شيّدتها الدولة للمواطنين في قرية النويدرات على أبناء تلك القرى (من طائفة واحدة) فقط، وعدم توزيع هذه المساكن على مواطنين من مدن أخرى (والقصد غير المعلن هو مذاهب أخرى)، هذه المشكلة تعد أحد الدلائل البارزة على صحة توقعاتنا للظواهر الجديدة التي تعيشها البحرين..
كما نتساءل، ياترى، هل العنف، الذي يتم تبريره من فوق المنابر السياسية والدينية البحرينية، يعد في صميم دور المعارضة السياسية أم الإرهاب؟؟..