إلى أصحاب الجلالة والسمو، زعماء القمة الخليجية الثالثة والعشرين، نتقدم بهذا الخطاب المفتوح في مراجعة لأوضاع المنطقة مع نهاية مرحلة من الصعاب والأحداث الجسام امتدت لفترة ربع قرن، وبداية مرحلة لا تقل عن سابقتها صعوبة وخطورة...
دون الدخول في تفاصيل تلك الأحداث المرة التي مرت على منطقتنا الخليجية، وانتهت بإحتلال العراق والسيطرة الأمريكية التامة على كل منافذ المنطقة براً وبحراً وجواً، وعزلها عن عمقها وظهيرها الأمني الاستراتيجي العربي، ووقوف الخليج اليوم، بلا حول ولا قوة، في مواجهة مباشرة أمام كل التهديدات والأخطار الأمنية والديمغرافية والطائفية والاقتصادية التي تهدد استقرار ووحدة وسيادة المنطقة وهويتها العربية... بعد كل ذلك الذي عاصرناه على مدى أكثر من ربع قرن، لا يمكننا إلا أن نبدأ بالتذكير والتأكيد على ما قيل قبل 23 عاماً، حول قراءة الدوافع الفعلية وراء تشكيل هذا المجلس عام 1982، أي في بدايات الحرب الإيرانية العراقية، وخصوصاً بعد أن أثبتت الأحداث صحة تلك القراءة وواقعيتها.

نشرت وكالة الأخبار العراقية، يوم الثلاثاء 14 ديسمبر 2004، إضافة إلى وكالات الأنباء العربية والعالمية، خبراً يقول "وصل بغداد الجنرال ريتشارد مايرز، رئيس هيئة الأركان للجيوش الأمريكية..." وإلى هنا يبدو هذا خبراً طبيعياً لا يدعو للإستغراب، فالزيارة تأتي في إطار الواجبات العسكرية التي يقوم بها مثل هكذا مسؤول بغرض تفقد قطعاته وسير العمليات واحتياجات المقاتلين ... إلخ.
ولكن الجديد في هذا الخبر هو الجزء المكمل له حسب ما نشر، ويقول نصاً "... يرافقه عدد كبير من الفنانين والرياضيين والمشاهير"، حيث إن هذه هي المرة الأولى منذ الإحتلال الأمريكي للعراق يصطحب فيها زائر عسكري أو مدني على مستوى عالي هذا النوع الخاص من المرافقين في زيارته لتفقد جيوشهم في المواقع العسكرية على أرض المعركة... وقد يتبادر إلى الذهن إن هذا الفعل قد تزامن مع حلول أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، كعادة أمريكية للإحتفال في مثل هذه المناسبات، علماً بإن هذه الحادثة لم تحدث في نفس المناسبة في العام الماضي...

من أصدق التعابير التي وردت عن أهمية النفط لدى الدول المُستَعْمِرَة، هو ما جاء على لسان "اللورد كيرزون"، وزير الخارجية البريطاني، على إثر توقيع اتفاقية "سان ريمو" (20 أبريل/نيسان 1920) التي وُزِعَتْ بموجبها التركة العثمانية بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، برعاية بريطانيا وفرنسا... حينها قال "إن الحلفاء طفوا إلى النصر على بحر من النفط"... بينما جاء على لسان القائد الألماني المشهور "لودندوف" بعد هزيمة ألمانيا في نفس الحرب تعبير آخر بنفس الدلالة، حين قال "إن افتقارنا إلى البترول كان في مقدمة العوامل التي أدت دورها في هزيمتنا"...
حينذاك مارست الولايات المتحدة الأمريكية شتى أنواع الضغوط على بريطانيا وفرنسا، ما بين التحذير والتهديد، لضمان مشاركتها لهما في نفط الشرق العربي الذي أصبح ضمن مستعمراتهما بموجب اتفاقية "سان ريمو"، لتتحول تلك المشاركة بعد أفول شمس الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة إلى "هيمنة" أمريكية على النفط والدول النفطية، وفرض نموذج جديد من سياسات السيطرة والتبعية على تلك الدول، رغم كل الشعارات والادعاءات باستقلالها... فكانت بدايات عهد استعماري جديد، بنمط ومفاهيم وسياسات جديدة بالنسبة للشعوب والحكومات، التزمت خلالها الولايات المتحدة بتوازنات القوة النووية لوجود القطب الشيوعي حينذاك كعامل ردع وضبط، تمكّنَ من تجنيب تلك الدول (المستقلة) حديثاً بطش القوة الأمريكية المتوحشة، والحفاظ على عدم المساس بسيادتها وبكرامة وإرادة شعوبها...

في مجال كشفه لدور الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتها بمسار ما يدعى بالمنظمات الإرهابية والإرهابيين، يذكر محمد حسنين هيكل في كتابه "حرب الخليج، أوهام القوة والنصر"، (منشورات دار الأهرام، عام ۱۹۹۲) حقائق ذات دلائل بليغة . . . يقول: "لقد كانت الطامة الكبرى في قصة (الإرهاب)، أو العمليات الفدائية، وما كان يمكن أن تؤديه في ساعات المعركة، هي قصة الدكتور (ماركيوس وولف)، مدير المخابرات في ألمانيا الشرقية مدة خمسة وعشرين عاماً متصلة. كانت كل جماعات العمل العربي المسلح مغرمة بألمانيا الشرقية، واثقة أن برلين تعطيها كل ما عندها وزيادة من تدريب ومعدات تكنولوجية ومعلومات، وهكذا كانت كل الأسرار مفتوحة، وكل الأوراق مكشوفة أمام الدكتور وولف، وفي الساعة الحرجة تبين أن الدكتور وولف متصل من قديم بإسرائيل، وكانت إسرائيل هي التي توسطت له بعد انهيار ألمانيا الشرقية حتى لا يلاحق ولا يطارد ولا يحاكم".