مجلس التعاون، وعروبة الخليج واستقراره... إلى أين؟

إلى أصحاب الجلالة والسمو، زعماء القمة الخليجية الثالثة والعشرين، نتقدم بهذا الخطاب المفتوح في مراجعة لأوضاع المنطقة مع نهاية مرحلة من الصعاب والأحداث الجسام امتدت لفترة ربع قرن، وبداية مرحلة لا تقل عن سابقتها صعوبة وخطورة...
دون الدخول في تفاصيل تلك الأحداث المرة التي مرت على منطقتنا الخليجية، وانتهت بإحتلال العراق والسيطرة الأمريكية التامة على كل منافذ المنطقة براً وبحراً وجواً، وعزلها عن عمقها وظهيرها الأمني الاستراتيجي العربي، ووقوف الخليج اليوم، بلا حول ولا قوة، في مواجهة مباشرة أمام كل التهديدات والأخطار الأمنية والديمغرافية والطائفية والاقتصادية التي تهدد استقرار ووحدة وسيادة المنطقة وهويتها العربية... بعد كل ذلك الذي عاصرناه على مدى أكثر من ربع قرن، لا يمكننا إلا أن نبدأ بالتذكير والتأكيد على ما قيل قبل 23 عاماً، حول قراءة الدوافع الفعلية وراء تشكيل هذا المجلس عام 1982، أي في بدايات الحرب الإيرانية العراقية، وخصوصاً بعد أن أثبتت الأحداث صحة تلك القراءة وواقعيتها.


لم يكن هناك من شك، منذ البداية، في إن تشكيل مجلس التعاون الخليجي كان بدافع خلق جبهة خليجية في مواجهة العراق كقوة واعدة ضد الهيمنة الأمريكية على المنطقة... وأكبر دليل على صحة هذه القراءة المبكرّة هو إن القرارات الوحيدة التي كان يتم الإجماع عليها في القمم المتعاقبة لمجلس التعاون هي تلك التي صدرت بحق العراق... بدءاً من فترة حرب الخليج الأولى وإجماع هذا المجلس على دعم العراق لإستمرار وإطالة أمد الحرب بتزويدها بالقوة المادية والدعم المعنوي المطلوبين، في الوقت الذي كان الطرف الإيراني يحصل على نفس القوة والدعم من أطراف عربية ودولية أخرى، حيث كان استمرار وإطالة أمد تلك الحرب للقضاء على القوتين الإقليميتين هدف أمريكي صهيوني أكده هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، بمقولته المشهورة "إنها الحرب الوحيدة التي لا نريد لها أن تنتهي"... وانتهاءاً بتلك القرارات التي تكررت في كل القمم الخليجية، منذ ما بعد انتهاء تلك الحرب اللعينة إلى إحتلال العراق في أبريل/نيسان 2003، والتي كانت تحوز دائماً على الإجماع في الموافقة وعلى الإصرار في التنفيذ والمتابعة... تلك القرارات التي أصبحت ديباجة تتصدر كل بيان ختامي، والتي كانت تصاغ بإحكام وإصرار منقطع النظير لذبح العراق، من خلال استمرار الحصار الجائر على هذا القطر العربي وشعبه بمبرر الضغط عليه لتنفيذ كل قرارات الشرعية الدولية والقضاء على أسلحة الدمار الشامل، التي كانت الذريعة الأولى في غزو العراق واحتلاله، لتُثبت الإدارة الأمريكية بعد الاحتلال إن هذه الأسلحة قد تم تدميرها منذ العام 1991، ولم يكن للعراق أية قوة تشكّل خطراً على دول الجوار منذ ذلك الوقت...
واليوم، وبفضل عهود كاملة من السياسات غير المدروسة، والقرارات والإملاءات الخارجية، أصبحت المنطقة العربية بمجملها خالية من أي نوع من أنواع القوة العسكرية، حتى الدفاعية منها، وخالية من جميع أنواع القوة الأخرى، الاقتصادية منها والصناعية، وأصبح خليجنا مكشوف الظهر والوجه لأعداء مباشرين وغير مباشرين، يحتلون أغلى وأقدس الأراضي العربية، ويملكون من القوة ما لا نستطيع مواجهته... في الوقت الذي لم تعد خافية تلك النوايا والسياسات، المعلنة والسرية، التي تصب في عمليات تفكيك وإعادة تركيب المنطقة سياسياً وجغرافياً، والتي بدأت تحاك خيوطها الأولى في إطار برامج ومبادرات وضعت قيد التنفيذ، وفي محاور وتحالفات إقليمية ومحلية لا يزال يُخشى من طرحها على المستوى الرسمي الخليجي.
يا ترى ما رأي أصحاب الجلالة والسمو في التهديد الأمني المباشر لسيادة وهوية واستقرار المنطقة؟!... ورأيهم في كيفية التصدي لعمليات تعميق ومأسسة البنية التحتية الطائفية في الخليج والتي لم يعد ممكناً إخفاء توجهاتها المدعومة نحو خلق دويلات طائفية في هذه المنطقة العائمة فوق بحور من النفط، بدءاً من التقسيم الطائفي المرتقب للعراق؟؟!... ورأيهم في الإمكانيات المتوفرة بدولنا لمواجهة معضلة انحسار العنصر العربي في التغيير الديمغرافي الخطير الذي يزداد اتساعاً وخطورة كل يوم على كل بقعة أرض خليجية؟!... وأخيراً وليس آخراً، كيف يمكن أن تملك دولنا إرادتها السياسية في مواجهة كل تلك الأخطار وهي غير قادة على تحقيق مستويات دنيا من الإصلاح السياسي والاقتصادي داخل مجتمعاتها في ظل ظروف دولية متلاطمة وغير آمنة؟...
ويا ترى، بعد كل هذا، هل يستمر الإصرار على إن الدافع الرئيسي لتشكيل مجلس التعاون الخليجي هو تنظيم العلاقات الاقتصادية والأمنية فيما بين دولها، الذي للأسف لم يتم تنفيذه حتى الآن؟!...