بقيت السياسات البريطانية الأوروبية تجاه العرب حبيسة قرارات "لجنة الاستعمار"، التي شكّلها عام 1907 زعيم حزب الأحرار، رئيس الوزراء البريطاني حينها، كامبل بانرمان (H.C Bannerman)، وضمّت اللجنة نخبة مختاره من كبار العلماء والخبراء وأساتذة الجامعات البريطانية والأوربية... وقد كُلّفت هذه اللجنة بدراسة السبل والوسائل التي تمنع انهيار الاستعمار الأوروبي، وكيفية منع البلدان والشعوب غير الأوروبية من التقدم.
حذّرت اللجنة في تقريرها النهائي من خطورة وحدة الأمة العربية، وأكدت بأن الوطن العربي يسكنه شعب واحد، وتتوافر له وحدة التاريخ والدين واللغة والثقافة والآمال وجميع مقومات التجمع والترابط والاتحاد، كما تتوافر للشعب العربي كل أسباب القوة والنهوض والتحرر، بسبب نزعاته التحررية وثرواته الطبيعية الكامنة وموارده البشرية المتزايدة ومميزاته الجيوسياسية... وعليه قدمت اللجنة تساؤلات عدة في حال وحدة المنطقة العربية، ودخولها للحداثة، وانتشار التعليم والثقافة فيها، واستفادة شعبها من مواردها، وأجمعت الإجابات على أنه: إذا حدث ذلك "ستحل الضربة القاضية بالإمبراطوريات الاستعمارية" وعندها ستتبخر أحلام الاستعمار، وتتقطع أوصاله ثم تضمحل وتنهار كما انهارت إمبراطوريات الرومان والإغريق وغيرهم.
لا داعي لسرد باقي القصة التي لاتزال الأمة والمنطقة العربية تعيشها في ظل النجاح الذي حققته تلك القرارات لجعلها أمة متخلفة، متنازعة، غير موحدة، ولا تجيد الاستفادة من ثرواتها، ليحافظ المستعمرون على بقاء امبراطورياتهم... إلا أن التغيير قادم لا محالة.


كلمات دالة:  

كان مشهداً قاسياً ومهيناً لإنسانية الإنسان... مشهداً موجعاً ومدمراً لقدرات العقل، وللكيان الوجداني والروحي للبشر... مشهد سَحْق بيروت والشعب اللبناني مساء الثلاثاء 4 آب/أغسطس 2020.
ذلك المشهد الانفجاري الذي شهدنا له مثيلاً، ولربما أكثر لاإنسانية، في دك بغداد بكل أسلحة الدمار الشامل في شتاء 1991، ومحاولة سحق العراق في ربيع 2003... هذا ما عشناه، ولم نعش التفجير النووي الأمريكي لمدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين في منتصف القرن العشرين، مدينتين تم سحقهما حجراً وبشراً بقنابل ذرية، وبقلوب لم تعرف الرحمة أو أي نوع من أنواع العاطفة أو القيم الإنسانية.
فأي نوع من البشر هؤلاء الذين يذبحون الإنسانية؟، وهل ممكن أن يكونوا من بني البشر؟
والأمر الأهم في هذه اللحظات الموجعة، والحزينة والمؤلمة، هو السؤال المؤلم: ماذا بعد؟!...

في منطقتنا العربية لم، ولا، ولن، تُحِلْ الحروب أية أزمة قائمة، بل بعد كل حرب تنشأ أزمة أخطر من سابقاتها وتلد حرب أخرى، منذ الحرب العالمية الأولى التي دخلها العرب منقسمين، دون وعي بما هو الهدف من تلك الحرب، التي شكلت نتائجها نظاماً دولياً جديداً أرسى دعائم الغرب الاستعماري في المنطقة والعالم.
وقبل أن ينتهي ذلك القرن دخلت المنطقة في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) التي استمرت مدافعها لمدة 15 سنة، كأحد نتائج حرب تشرين 1973، ورافقتها الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) التي استمرت لثمانِ سنوات... حربان لم تنتهيا إلا بإعلان انتهاء الحرب الباردة (سقوط الاتحاد السوفييتي)، وبداية تشكل نظام دولي جديد.

تؤكد المؤشرات الاقتصادية العالمية إن العالم مقبل على أزمة اقتصادية خانقة عام 2020، ستؤدي إلى حرب بين الولايات المتحدة والصين، وستنتهي بدمار كبير ليبدأ بعدها نظام عالمي جديد بقيادة الدولتين الكبريين (G2)، يتنافسان على إعادة بناء ما تم تدميره، الأمر الذي سيخلق نهضة عالمية شاملة. ذلك هو الشك المتشائم من الصورة...
أما الشق الذي يدعو للتفاؤل فهو ما يصفه المفكر الاقتصادي الكبير طلال أبو غزالة بقوله "علّمَنا التاريخ أن الحروب تنتهي دائماً بإعادة البناء والازدهار، فعلينا أن نستعد لمرحلة ازدهار ما بعد الحرب"، إذا تعاملنا معها من منطلق أن "الأزمة هي أيضاً فرصة"، إن تم إدارتها جيداً...