بيروت...بردًا وسلاماً

كان مشهداً قاسياً ومهيناً لإنسانية الإنسان... مشهداً موجعاً ومدمراً لقدرات العقل، وللكيان الوجداني والروحي للبشر... مشهد سَحْق بيروت والشعب اللبناني مساء الثلاثاء 4 آب/أغسطس 2020.
ذلك المشهد الانفجاري الذي شهدنا له مثيلاً، ولربما أكثر لاإنسانية، في دك بغداد بكل أسلحة الدمار الشامل في شتاء 1991، ومحاولة سحق العراق في ربيع 2003... هذا ما عشناه، ولم نعش التفجير النووي الأمريكي لمدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين في منتصف القرن العشرين، مدينتين تم سحقهما حجراً وبشراً بقنابل ذرية، وبقلوب لم تعرف الرحمة أو أي نوع من أنواع العاطفة أو القيم الإنسانية.
فأي نوع من البشر هؤلاء الذين يذبحون الإنسانية؟، وهل ممكن أن يكونوا من بني البشر؟
والأمر الأهم في هذه اللحظات الموجعة، والحزينة والمؤلمة، هو السؤال المؤلم: ماذا بعد؟!...


فيا ترى هل سيُخزّن ذلك المشهد المرعب في أرشيف التاريخ مع المشاهد الأخرى دون ظهور الحقيقة، ودون حساب وعقاب؟
وهل يا ترى سينسى العالم ما جرى، ويُترك اللبنانيون للم جراحهم وتصاعد صراعاتهم، كما نسي التاريخ العراقيين من قبلهم يواجهون مصيرهم المظلم في جحيم الاحتلال متعدد الأطراف؟
هذا ما يقوله الواقع، في ظل معطيات التاريخ الذي نعيشه.
وهذا ما يسمى بالجيل الرابع من الحروب.
حروبٌ لا نعرف حقائقها.
حروبٌ بالوكالة، لا نعرف أطرافها وغاياتها.
حروبٌ أرضنا وشعبنا وقودها، لصالح أطراف تظهر على المشهد في زي إنساني رافض للحروب، ويداوي الجروح، ويعانق الشعوب.
هكذا سيُصنِف التاريخ ذلك التفجير بأنها حرباً بالوكالة... وقودها لبنان واللبنانيون... كما هم أرض وشعب العراق وسوريا وليبيا واليمن وقود حلقات أخرى من مسلسل هذه الحروب.
حروب ستزداد قوة ووحشية كلما اقتربنا أكثر من لحظة ولادة النظام الدولي الجديد.
والأكثر إيلاماً من كل هذا أن تترحم الشعوب العربية على الاستعمار القديم، وتعتقد بأن خلاصها من هذا الجحيم المدمر سيكون في عودة هذا الاستعمار (الرحيم) لإدارة بلادنا وشئوننا.
أن نؤمن بأننا فاقدين القدرة على إدارة أنفسنا... وإننا صالحين للاستعمار دوماً... أليس هذا هو المطلوب لصالح صانعي الموت الذين يحيطون بنا من كل جهة؟
واقع مؤلم...
واقع مؤلم جداً... لم يتوقعه آباءنا وأجدادنا الذين صنعوا الكرامة العربية بعد نضال طويل ضد الاستعمار... فكيف نطلب الرحمة من جلادي الأمس، وصانعي الدساتير الطائفية، وحماتها... وكيف يتم توجيه العرب مباشرة إلى الجحيم... ولكل حدث أجل.