عادة ما تتسلل القيم السلبية إلى المجتمعات ببطء وبخفاء، بشكل لا يمكن رصدها ومجابهتها ببساطة، مما يمكنها من النفاذ في مسامات المجتمع والتربّع بداخلها بيسر وسلاسة، لحين استفحال الحالة واستنفار المقاومة الذاتية، المتمثلة في القيم الإيجابية والإنسانية التي يملكها المجتمع، وحينها تتداعى المقاومة الخارجية، المتمثله في القوى المجتمعية المختلفة، للعمل على رفض تلك السلبيات ونبذها إلى خارج الجسم المجتمعي... هذه هي الحالة الطبيعية التي يمكن أن تقاس بها تفاعل المجتمعات مع التغيرات الجديدة في القيم والثقافات الإنسانية وما يرافق تلك الثقافات والقيم من أنماط حياتية وفكرية وإبداعية جديدة، بما يُمَكّن الأمم من تخليد إسهاماتها الحضارية على مدار التاريخ البشري.

ماذا يحدث لو إن زعيم أكبر بلد عربي إتخذ موقفاً ضد الكيان الإسرائيلي وقطع علاقاته الدبلوماسية به جراء ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني؟ وجرّاء تمادي حكومة شارون بعمليات الإغتيال الممنهجة ضد الفلسطينين وضد مواقفه المتصلبة رغم كل التنازلات التي قُدّمَت إليه؟!!
ماذا يحدث لو إن هذا الزعيم العربي احتجّ ضد السياسات الأمريكية بالمنطقة لهذا الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني، وطالبها، ضمن المصالح المشتركة، أن تكف عن هذا الدعم والإنحياز الكامل لشارون والآخرين، وإلا ...؟!!
ماذا يحدث لو إن هذا الزعيم العربي انتصر لقضية الشعب العراقي وطالب الأمريكان أن تخرج من العراق، بدون أي قيد أو شرط، وبنفس الإصرار الذي طالب به صدام حسين أن يخرج من الكويت، ويرفض أن يعقد في بلده المؤتمرات التي ستعزز من دور المحتل والإحتلال في العراق؟!!!
ماذا سيحدث لو فعل زعيمنا العربي كل هذا؟

المقال هو موضوع دراسة نشرت في العدد السابع من نشرة (أنتلجنسيا) بتاريخ 1 أيلول/سبتمبر 2004 ... و(أنتلجنسيا) هي نشرة فرنسية نصف شهرية تصدر في باريس، متخصصة بالشؤون الاستراتيجية، والجيو-سياسية وقضايا الاستخبارات والاقتصاد.
حصلت (أنتلجنسيا) على بعض من المشروع الأمريكي-الأسرائيلي "إعادة هيكلة الشرق الأوسط، والشرق الأوسط الكبير"، نورد هنا أهم فقراته والنتائج المتوخاة منه:
تقول الدراسة بإن هذه المشاريع التي تمخضت عنها أفكار اليمين الأمريكي المحافظ، تسير على قدم وساق، رغم التظاهر الأمريكي بالتراجع عنها، وبأنها لا زالت (مواضيع للنقاش) ... نكرر، إن هذه المشاريع بدأ العمل بها وتسير على قدم وساق.
هذه المشاريع الأمريكية التي اعتمدت النموذج الإسرائيلي للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وعلى العالم أن يسير عليه، إعتمدت أيضاً النظريات العرقية والإثنية في تطبيقها، وإن الضغوط الأمريكية على سوريا بعد احتلال العراق تشكل جانباً تطبيقياً لهذا المشروع، الذي ينظر إليه المحللون الأوروبيون بالشك والريبة لكونه يطال حدودهم الثقافية والسياسية والاقتصادية، والأمنية ايضاً ... كما تؤكد الدوائر الغربية أن هذا الموضوع بات يشكل أولوية استراتيجية في المنطقة فيما تسرب هذه الدوائر أخباراً مرعبة عن هذا المشروع الذي يقلب المعادلة في "الشرق الأوسط الكبير" إلى حد بعيد ... على سبيل المثال:

في مزرعة لمجاهدة عراقية عجوز، بأحد البساتين العراقية في مدينة راوه، كان صدام حسين يقضي تلك الساعات الأخيرة مع عدد صغير من الشباب لم يبرحوا يرافقوه كظله لحماية حياته، من بينهم أثنين من أبناء السيدة المجاهدة صاحبة المزرعة... حينما سمعوا ذلك الصوت، غير المعهود، لطائرة أمريكية تطير بسرعة البرق فوق منطقتهم... ومع اختفاء الصوت أعلن الرئيس بإن غازاً أطلق في فضائهم... وفي لحظات خرج الرئيس مع مرافقيه وما يحملون من أسلحة ليستقلوا القارب المعد سلفاً لنقلهم عبر نهر دجلة إلى الضفة الأخرى... "وكان الرئيس لا يتحرك بدون الحزام الناسف الملفوف حول جسده، والاعتقاد كان بإن الوصول إلى القارب سوف يكون أسرع من أي شيء آخر"...