المشروع الأمريكي للشرق الأوسط ، سوريا هدفه ... والأكراد أدواته

المقال هو موضوع دراسة نشرت في العدد السابع من نشرة (أنتلجنسيا) بتاريخ 1 أيلول/سبتمبر 2004 ... و(أنتلجنسيا) هي نشرة فرنسية نصف شهرية تصدر في باريس، متخصصة بالشؤون الاستراتيجية، والجيو-سياسية وقضايا الاستخبارات والاقتصاد.
حصلت (أنتلجنسيا) على بعض من المشروع الأمريكي-الأسرائيلي "إعادة هيكلة الشرق الأوسط، والشرق الأوسط الكبير"، نورد هنا أهم فقراته والنتائج المتوخاة منه:
تقول الدراسة بإن هذه المشاريع التي تمخضت عنها أفكار اليمين الأمريكي المحافظ، تسير على قدم وساق، رغم التظاهر الأمريكي بالتراجع عنها، وبأنها لا زالت (مواضيع للنقاش) ... نكرر، إن هذه المشاريع بدأ العمل بها وتسير على قدم وساق.
هذه المشاريع الأمريكية التي اعتمدت النموذج الإسرائيلي للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وعلى العالم أن يسير عليه، إعتمدت أيضاً النظريات العرقية والإثنية في تطبيقها، وإن الضغوط الأمريكية على سوريا بعد احتلال العراق تشكل جانباً تطبيقياً لهذا المشروع، الذي ينظر إليه المحللون الأوروبيون بالشك والريبة لكونه يطال حدودهم الثقافية والسياسية والاقتصادية، والأمنية ايضاً ... كما تؤكد الدوائر الغربية أن هذا الموضوع بات يشكل أولوية استراتيجية في المنطقة فيما تسرب هذه الدوائر أخباراً مرعبة عن هذا المشروع الذي يقلب المعادلة في "الشرق الأوسط الكبير" إلى حد بعيد ... على سبيل المثال:


1- الضغط الظاهري على سوريا في مسائل تتعلق بلبنان وفلسطين والحل السلمي والمساعدة في ضبط الوضع في العراق، وهي مسائل ظاهرية وتاريخية تحمل الكثير من النقاش، إلا إن نجاح المشروع يقضي بإبقاء هذه الملفات مفتوحة على طاولات المفاوضات مع سوريا إلى أن يصبح التغيير الاستراتيجي الآخر جاهزاًً.
2- الضغط على سوريا في جوانب الإصلاح الديمقراطي وتسريعه وطرح المشاريع الجاهزة وجعل القيادة السورية تلهث وراء الإصلاح الداخلي التفصيلي، وإبقاء الشعب السوري ومؤسساته الثقافية والسياسية والشعبية والاجتماعية في دوامة مشاريع الأصلاح المطلوب تسريعها بهدف بعثرة النشاط العام والتخوف من الانقسامات في ظل نظام يعيش وسط حالة حرب خارجية سمحت بالكثير من المحظورات في المجتمعات المستقرة.
3- يبدو واضحاً إن المشروع الأساسي يركز على بناء بؤرة توتر جاهزة في شمال سوريا، وليس في جنوبها حيث تتوقع سوريا ضربة من العدو الإسرائيلي التقليدي والتاريخي، وهكذا سوف تأتي الضربة ممن يشكلون جزءاً من التاريخ والشعب السوري، وهم الأكراد، حيث يتناول المشروع بشكل تفصيلي إيجاد ما يسمى "أزمة الأكراد في سوريا"، مثل ما حصل في العراق، للضغط على سوريا بإسم حق تقرير المصير وتنفيذ مطالب كثيرة للأكراد مما سوف يسفر عنها معارك ضارية وموت ودمار وخراب ككل الحروب الأهلية.
من المطالب التي تتهيأ الولايات المتحدة وإسرائيل لتقديمها جاهزة للحكومة السورية بإسم الأكراد هو "الحكم الذاتي للأكراد" والإنفصال الجزئي ضمن الحكم الذاتي مع بناء علاقات متميزة مع أكراد العراق وإيران وتركيا، مما يجعل هذا المشروع أبعد من سوريا بكثير، ويضع تركيا في مواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. أما لائحة المطالب الأمريكية بإسم الأكراد فينسقه الخبراء الإسرائيليون المقيمون في كردستان العراق، وهؤلاء الخبراء حاملين وعوداً بالدعم والمساعدة للأكراد بذريعة إن الأكراد بحاجة على ما يشبه "وعد بلفور".
يهدف هذا المشروع طبعاً إلى استخدام الأكراد كأداة لفصل الشمال السوري الغني بموارده الطبيعية والنفطية وإضعاف الحكومة المركزية السورية مما يشجع القوميات والإثنيات الأخرى للمطالبة بحقوقها وبالمعاملة بالمثل ... وهكذا يمكن السيطرة على سوريا بدون شن حرب عليها كما حصل في العراق.
ويقول بعض من اطلع على المشروع إن تداعيات هذا الوضع ستسمح بقيام محميات داخل سوريا، وأشباه دول، وسيطال الأمر لبنان الذي سيكون جاهزاً للقبول بتقسيمه إلى محميات تمارس الديمقراطية في داخلها كما في إسرائيل تماماً (وإقامة دولة شيعية في الجنوب قد تكون تحصيل حاصل).
وحسب الأوساط الغربية، فإن الوضع في شمال سوريا يعد خطيراً، بسبب وجود الأرضية العشائرية الجاهزة للسير في هذا المشروع أولاً، وبسبب رد الفعل السوري على الاستفزازات الكردية ثانياً، حيث يؤكد المرقبون إن القيادة السورية لا تزال تعتمد على أجهزة الأمن بأساليبها التقليدية في استيعاب هذه المشكلة، بمعنى إن سوريا لم تعلن عن أية تدابير سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية مجدية للحؤول دون وصول هذا المشروع لأهدافه، مما يُشعر الأوروبيون بإن الخطر الأمريكي سيطال تركيا التي ستشكل الحدود الجنوبية الشرقية لأوروبا.