للكاتب الغربي، باتريك سيل، مقال نشر في صحيفة الإتحاد الإماراتية يوم ۳۰ مايو 2004، عن الواقع العربي الجديد، فيه الكثير من العبر والمعاني، التي يمكن أن لا تكون واضحة لنا ونحن نعيش أحداثه يوماً بيوم . . ولكن تكون واضحة للمراقب والمتتبع الخارجي وهو ينظر إلى الصورة من زواياها واتجاهاتها المختلفة. في مقاله، يعدد باتريك سيل مختلف مواضع الضعف العربي في التاريخ المعاصر، مثل تدنى معدلات النمو الاقتصادي، وتدني معدلات الإستثمارات الأجنبية في الإقتصاد العربي إجمالاً، وتخلف التعليم، وضعف علاقة العرب بفضاء المعلومات والإنترنت، وغياب الديمقراطية، وارتفاع وتيرة إنتهاكات حقوق الإنسان، وقهر المرأة، والقصور السياسي لدى الأنظمة والقيادات العربية . .

توضح الدراسات الميدانية أن القيم الديمقراطية لا تمثل مكوناً رئيسياً في بنية الثقافة السياسية العربية، بل على العكس، إذ تشيع في صفوف الأغلبية العربية قيم السلبية والعزوف عن المشاركة، والشعور بعدم القدرة على التأثير في مجرى الأحداث والتطورات، وضعف روح المبادرة. إضافة إلى ذلك هناك منظومة من القيم السلبية السائدة في هذه المجتمعات تتمثل بعبادة السلطة والشك فيها والتحايل على قراراتها والاستهانة بالمال العام والإستهانة بقيمة الفرد ذاته في نمو الوطن إضافة إلى السلطوية والولاءات الضيقة والمحسوبية. ومن هذا المنطلق يمكن القول إن القيم الديمقراطية (المتمثلة في الثقافة السياسية الديمقراطية) ليست محدداً لصياغة أنماط العلاقات والتفاعلات داخل مؤسسات المجتمعات العربية (الأسرة، المدرسة، الجامعة، الجمعية، الاتحاد، النقابة)، بل إن هذه المؤسسات ساهمت - وتساهم - بأوجه مختلفة في إعادة إنتاج القيم التسلطية في شكل من أشكال الثقافة السياسية الخاصة بهذه المجتمعات.

تعددت التعريفات النظرية لمفهوم الثقافة السياسية كما هي بالنسبة لمفاهيم علم السياسة الأخرى، ولكن يتفق أغلب المختصين في حقل السياسات المقارنة على أن الثقافة السياسية بصفة عامة هي مجموعة من المعارف والقيم والمعايير والرموز والقواعد المقبولة في العمل السياسي، بشكل واعي او غير واعي، والتي تستخدم لتبرير الاهداف ولتحديد الوسائل السياسية في بلد معين، كما أن هناك علاقة وثيقة بين الثقافة السياسية والديمقراطية من الضروري دراستها لاهمية هذه القيم الثقافية كأداة تحليلية هامة توضح العلاقات السائدة في المجتمع من ناحية والعلاقات المتبادلة بين النظامين السياسي والاجتماعي من ناحية أخرى.

رغم ثورة تكنولوجيا الإتصالات والمواصلات، إلا إن منطقتنا العربية تعاني (ضمن مختلف صور معاناتها) من قصور شديد في تواصل المثقفين معاً، سواء في اجتماعات رسمية أو اجتماعية (غير رسمية)، سواء محلياً (في كل قطر عربي) أو إقليمياً (على امتداد الوطن العربي)، مما يشكل عائقاً في تبادل الأفكار والآراء وتحديثها، و معوقاً للعملية الثقافية بشكل عام. أما مظاهر ذلك القصور في التواصل فأنها تبدو واضحة فيما نقرأ من مقالات يومية في صحافتنا المحلية والعربية، حيث يضطر الكُتّاب والصحفيون للتواصل والنقاش على صفحات الجرائد، في أعمدتهم ومقالاتهم، رغم ما يتضمنه هذا الإسلوب من عوامل بطئ وتأخر في التحديث الثقافي، وعوامل ضعف في التواصل الفكري حول الأحداث المتسارعة، ورغم كونه عاملاً أساسياً في عدم خلق أو بلورة قاعدة أساسية للثقافة العربية القادرة على مواجهة الأحداث العالمية، ومواجهة ذلك الغزو الثقافي الذي لا زال بعض من (المتثاقفين العرب) ينكر وجوده في دولنا العربية الضعيفة والمشتتة على مختلف الأصعدة، بينما دول عظمى مثل فرنسا وألمانيا واليابان والهند... تسلك كل السبل لمواجهته.