بعد عام من الغزو الإمريكي للعراق لا يزال هذا الغزو يعيش مرحلة "اليوم الثاني" كما يدعو الإمريكيين، أي مرحلة الإحتلال الذ يعني الفوضى وفقدان الأمن والسيطرة والقانون والسيادة كما يعني الدمار الكامل، حيث خارجياً لا سيادة لهذه الدولة لتحافظ على حقوقها واقتصادها وأمنها، وداخلياً لا سيادة للقانون الذي يجب أن يحافظ على استقرار الشعب وأمنه وحقوقه.
بعد عام من إحتلال العراق تذكر لنا المصادر الوطنية العراقية الداخلية والخارجية إن أجهزة الموساد والشركات الإسرائيلية أصبحت واقعاً معاشاً متغلغلاً في العمق العراقي بالتواطؤ الكامل مع قوات الإحتلال وأولئك القادمين معهم بهويات عراقية مزيفة، ونشير هنا "بعض" من الواقع العراقي الجديد:
1- إنتشار فرقة اغتيالات من 900 عنصر من الموساد في أرجاء العراق، وتتمركز إدارتها في كركوك، وضمن عناصرها عدد من الأكراد الذين كانت المخابرات الأمريكية قد نقلتهم من شمال العراق عام 1996 إلى جزيرة جوام.
2- بالإتفاق مع قوات الإحتلال وقياديين من الأحزاب الكردية تم توطين اليهود الأكراد، الذين كانوا قد هاجروا إلى (إسرائيل) منذ سنوات، في شمال العراق.
3- تقوم قوات كوماندوز اسرائيلية بمهمات سرية، غربي العراق، لحماية خط انابيب النفط، ولتنفيذ التفجيرات والاغتيالات بحق الشيعة والسنة والأكراد.

أرادت الهيمنة الخارجية، على الأنظمة العربية، إلغاء كامل بنود جدول أعمال القمة العربية، عدا بند مبادرة "الشرق الأوسط الكبير"... فأصبحت الأنظمة العربية، التي لن تحصد غير الخسائر من هذه المبادرة، تحت الضغوطات المباشرة، دون أن تملك أية وسائل للتصدي لهذه الضغوطات غير تأجيل القمة العربية... إلى أجل غير مسمى.
هكذا بدأت الأمور تتضح وتفصح عن نفسها... بعد أن تهادت وتعاونت الأنظمة العربية في إحتلال العراق... وهكذا يتدرج، بل يتدحرج، الوضع العربي نحو الاسوأ...

مساء الجمعة، ولكي أتفادى إزدحام المرور في الشوارع الرئيسية، فضلت السياقة في الطرق الفرعية في المنامة للوصول إلى هدفي، وإذ بي أمام مجموعة من الأطفال المهرولين في الشوارع مبتعدين عن حريق أشعلوه في منتصف الطريق، في حي سكني، وهم شبه حفاة وشبه عراة، إذ كانوا يحاولون تغطية رؤوسهم وأنوفهم بملابسهم لتفادي تأثيرات مختلف أنواع الإدخنة المتصاعدة من ذلك الموقع حينذاك.
كان المنظر ملفتاً للإنتباه والتساؤل والتأمّل، حيث عرفت فوراً إنهم متراجعين مما يدعى بمسيرة تظاهرية بعد مصادمات مع الشرطة... ولكن لم أتمكن في البداية من معرفة أسباب التظاهرة، لأن كل ما كان أمامي هو عبارة عن مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 10 -15 سنة، يتحركون في كل إتجاه، يمارسون العنف والفوضى، وكأنهم يتسلون، في وقت فراغهم، بألعاب العسكر والحرامية، في الوقت الذي كان من المفترض أن يكونوا نياماً في أسرّتهم في ذلك الوقت المتأخر من اليوم، استعداداً ليومهم الدراسي التالي.

قام دونالد رامسفيلد بسلسلة من المقابلات التليفزيونية في البنتاغون، بعد عملية تفجير فندق "جبل لبنان" في بغداد، وقال في أحداها "... إن الأمن في العراق يختلف باختلاف مناطق الدولة، وحتى من شهر إلى آخر... ولقد شاهدنا ارتفاعا وهبوطا في الأحوال الأمنية. وما أريد قوله للشعب العراقي، إنه مكان خطير (يقصد العراق)... وإنها معركة تجري في موقعها وموجودة وتجري منذ مدة ليست بالقصيرة...".
هكذا تحاول الإدارة الإمريكية التعتيم على حقيقة الأوضاع في العراق... سواء فيما تتكبده القوات الإمريكية من نزيف عميق ومستمر بشرياً ومادياً جراء عمليات المقاومة العراقية... على مدار الساعة... أو فيما تقوم به القوات والمخابرات الإمريكية والإسرائيلية هناك من أدوار مشبوهة ورهيبة... تلك الحقائق التي لا تلبث أن تكشفها مختلف المصادر الأخرى رغم محاولات استحكام التعتيم الإمريكي... ومشاركة منا في كشف زيف (حرية) الإعلام الإمريكي، وزيف الديمقراطية الإمريكية، ننشر (كمثال) ما وصلنا من معلومات عن حقائق عملية تفجير فندق "جبل لبنان" في بغداد.