من المسؤول عن هذه الممارسات...

مساء الجمعة، ولكي أتفادى إزدحام المرور في الشوارع الرئيسية، فضلت السياقة في الطرق الفرعية في المنامة للوصول إلى هدفي، وإذ بي أمام مجموعة من الأطفال المهرولين في الشوارع مبتعدين عن حريق أشعلوه في منتصف الطريق، في حي سكني، وهم شبه حفاة وشبه عراة، إذ كانوا يحاولون تغطية رؤوسهم وأنوفهم بملابسهم لتفادي تأثيرات مختلف أنواع الإدخنة المتصاعدة من ذلك الموقع حينذاك.
كان المنظر ملفتاً للإنتباه والتساؤل والتأمّل، حيث عرفت فوراً إنهم متراجعين مما يدعى بمسيرة تظاهرية بعد مصادمات مع الشرطة... ولكن لم أتمكن في البداية من معرفة أسباب التظاهرة، لأن كل ما كان أمامي هو عبارة عن مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 10 -15 سنة، يتحركون في كل إتجاه، يمارسون العنف والفوضى، وكأنهم يتسلون، في وقت فراغهم، بألعاب العسكر والحرامية، في الوقت الذي كان من المفترض أن يكونوا نياماً في أسرّتهم في ذلك الوقت المتأخر من اليوم، استعداداً ليومهم الدراسي التالي.


في ذلك الموقع، وعند ذلك المنظر الذي وقفت أتأمله، وبين أولئك الأطفال الفرحين بما عملت أيديهم من كسر وحرق وفوضى... وبعد كل ما نسمعه ونراه حول عمليات السطو على السيارات وحرقها وكسرها... وعمليات السطو على المحلات وغيرها... بدأت أتأمل الواقع الجديد الذي يحاول أن يفرض بظلاله على المجتمع، ذلك الواقع الذي يعمل في الظلام وليس في الضوء...
أختلطت الأوراق ولم نعد نعلم ما الذي يجري حولنا، وما المطلوب من كل ما يجري، ولمن نوجه كلامنا، هل لهؤلاء الأطفال أم لمن هم مسؤولين عن ممارساتهم غير المسؤولة؟... وهل يعلم هؤلاء الأطفال بأنهم مُستَغلون؟ وإن من حرّضَهم ودرّبهم للقيام بتلك الممارسات غير المسؤولة لا يملك أدنى حس بالمسؤولية تجاههم أو تجاه حقوقهم في التوعية والتثقيف وبناء روح المواطنة بداخلهم... أم يراد لنا أن نفهم بأن ما يجري هو حقاً ممارسات وطنية سليمة... يراد بها تحقيق أهداف وطنية؟...
هؤلاء الأطفال هم الشاهد على الواقع الجديد الذي نعيش... واقع أُخلي من المضامين والمفاهيم الوطنية النبيلة، لتحل محلها مفاهيم العنف والفوضى، ومفاهيم التجهيل وفرض الوصاية... فأصبح ترويع الناس الآمنين والسرقات وكسر السيارات وإيذاء الناس في بيوتهم من آليات التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق كما يدّعون...
يا ترى من الذي يربي هؤلاء الأطفال على ممارسة العنف والفوضى؟ ومن الذي أقنعهم بأن ما يقومون به يدعى تظاهرات للتعبير عن الرأي، دون أن يعلمهم حدود واجباتهم ومسؤولياتهم في الحفاظ على مكتسبات الوطن...