بينما لا تزال الإثارة الإعلامية، وخلط الأوراق، مستمران في قضية تحقيقات هيئتي التأمينات والتقاعد، إذ بأحد نوابنا الأفاضل، وهو يلح على إستجواب وزير الصحة، يصرّح للصحافة بإننا على موعد مع التحقيق في قضية "الصحة" الذي سوف يكون أكثر إثارة من تحقيقات التأمينات والتقاعد... وهكذا أصبح الشارع البحريني في سباق مع الإثارة السينمائية في مسلسل جلسات مجلس النواب، دون تقدير حقيقي للآثار والتبعات السلبية لهذه الممارسات، التي لا علاقة لها بالموضوعية والمصلحة العامة بأي شكل من الأشكال... بقدر ما لها من علاقة بالتباري بين النواب للوصول إلى قلب الشارع، حتى لو استدعى الأمر عدم الكشف عن الحقائق كاملة، والإكتفاء بجانب واحد من الحقيقة...

للعمل الوطني صور متعددة ومختلفة، وبدرجات وأولويات متفاوتة ... ويأتي العمل الجاد في الحفاظ على المكتسبات الوطنية الإقتصادية والإجتماعية والتنموية على رأس قائمة هذا العمل الوطني ... والذي لا يقل بدرجة عن العمل الوطني لتحقيق المكتسبات السياسية والحفاظ عليها ...
قد نكون لا نزال نتعلم أبجديات العمل الوطني الخاص بهذا الزمن العولمي الذي نعيش فيه، والذي، سواء شئنا أم أبينا ، يعد مختلفاً عن الممارسات الوطنية في العقود الماضية، إلا إن التركيز على الجوانب، الوطنية، ذات الصلة المباشرة بالهم الإنساني المعاش يجب أن يكون هو الحافز الدائم في أي عمل ندعو إليه أو ننادي به عند أداء الدور السياسي والوطني في الحكم أو المعارضة ...

رغم كل المحاولات العربية، الرسمية، للتعتيم على الأسباب الرئيسية لتأجيل القمة العربية التي كان من المقرر عقدها في تونس يومي الإثنين والثلاثاء 29-30 مارس 2004... إلا إن هناك عناوين بارزة، وفاضحة، يمكن متابعتها، للخروج ببعض من تلك الأسباب إن لم يكن كلها... إذ لم يعد التعتيم مجدياً في هذا العصر الإلكتروني ، والبالغ السرعة... ولم تعد اللعبة السياسة العربية متقنة وقادرة على إحتواء جميع الأطراف كما في المرات السابقة.
فرغم التجاهل والتحوير المتعمّد للخطاب التونسي، الرسمي والشعبي، في اسباب تأجيل هذه القمة... إلا إن التحرك والخطاب الدبلوماسي العربي السابق واللاحق، للموعد المحدد للقمة، أعطى مؤشرات كبيرة على صحة الأسباب التي ذكرت في قرار التأجيل الذي أعلنه وزير الخارجية التونسي في قاعة إجتماعات وزراء الخارجية العرب... ذلك القرار الحاسم الذي لم يكن يتوقعه الحضور (أو ربما كان يتوقعه)... ذلك القرار الذي وقفت به تونس عام 2004، في ذات الموقف التونسي للعام 1965، عندما أعلن الرئيس بورقيبة، بنظرة واقعية ثاقبة، مبادرته المشهورة للقضية الفلسطينية في حينها، والمعروفة بسياسة "خذ وطالب"، لتقابل لا واقعية العرب في طرحهم لشعار "التحرير من البحر إلى النهر"...

في صحيفة الإسبوع المصرية، تم نشر بعض التفصيلات التي تسربت حول مشروع الشرق الأوسط الكبير، والتي جاءت ضمن وثيقة تم وضعها بواسطة مجموعة من أعضاء الكونجرس الإمريكي، لتعرض على زعماء بعض الدول العربية مثل، السعودية وليبيا ومصر واليمن ولبنان وتونس والإمارات، مع تحديد فترة لا تزيد على ستة أشهر لضم هذه البنود في دساتيرها... وهي بنود يراد لها تفتيت دول المنطقة إلى كيانات صغيرة بإسم الطوائف والأقليات تحت راية الديمقراطية وحقوق الإنسان (الإمريكية)... وللتنوير نورد هنا بعض من تلك التفصيلات (كما جاءت في الصحيفة المذكورة):
- التأكيد على أن نظام الحكم يأخذ بالديمقراطية والتشاور مع كل القوى والفعاليات الشعبية كأساس لسلطة القرار السياسي.
- القبول بالتعددية في الرأي، واعطاء الضمانات السياسية والقانونية اللازمة لتكوين الأحزاب، أو تقوية دورها لممارسة حقها الطبيعي في تداول السلطة، وأن تعترف النظم الجمهورية في المنطقة في الدساتير بقدسية تداول السلطة بين الأحزاب، وأن يتم تطبيق ذلك بالعمل المشترك مع الأصدقاء الدوليين في رفع الوعي السياسي، والمشاركة السياسية لدى الجماهير، وتطوير عمل الأحزاب.
- إدخال إصلاحات في نظم الحكم الملكية، لتحقيق أسلوب الملكيات الديمقراطية التي تمثلها بريطانيا في النموذج الدولي، أي أن تكون الأسرة المالكة معنية بملكية شرفية، وتتبارى الأحزاب والجماعات للفوز بمنصب رئيس الحكومة، ويقتصر دور الملك على مراسم الإعلان عن رئيس وأعضاء الحكومة وقبول استقالتهم، أو التدخل الإضطراري في بعض المسائل العامة، وتتنازل الأسر المالكة تدريجياً عن امتيازاتها إلى أعضاء الحكومة.
- الاعتراف بالخصائص الجغرافية في كل دولة، لمنح استقلال ذاتي للطوائف والأقليات في إدارة شئونها الداخلية، أو في تمثيلها لدى الحكومة، أو في تعاونها أو اتصالاتها مع الجهات الخارجية.