قراءة في الخطاب التونسي... في تأجيل القمة العربية

رغم كل المحاولات العربية، الرسمية، للتعتيم على الأسباب الرئيسية لتأجيل القمة العربية التي كان من المقرر عقدها في تونس يومي الإثنين والثلاثاء 29-30 مارس 2004... إلا إن هناك عناوين بارزة، وفاضحة، يمكن متابعتها، للخروج ببعض من تلك الأسباب إن لم يكن كلها... إذ لم يعد التعتيم مجدياً في هذا العصر الإلكتروني ، والبالغ السرعة... ولم تعد اللعبة السياسة العربية متقنة وقادرة على إحتواء جميع الأطراف كما في المرات السابقة.
فرغم التجاهل والتحوير المتعمّد للخطاب التونسي، الرسمي والشعبي، في اسباب تأجيل هذه القمة... إلا إن التحرك والخطاب الدبلوماسي العربي السابق واللاحق، للموعد المحدد للقمة، أعطى مؤشرات كبيرة على صحة الأسباب التي ذكرت في قرار التأجيل الذي أعلنه وزير الخارجية التونسي في قاعة إجتماعات وزراء الخارجية العرب... ذلك القرار الحاسم الذي لم يكن يتوقعه الحضور (أو ربما كان يتوقعه)... ذلك القرار الذي وقفت به تونس عام 2004، في ذات الموقف التونسي للعام 1965، عندما أعلن الرئيس بورقيبة، بنظرة واقعية ثاقبة، مبادرته المشهورة للقضية الفلسطينية في حينها، والمعروفة بسياسة "خذ وطالب"، لتقابل لا واقعية العرب في طرحهم لشعار "التحرير من البحر إلى النهر"...

تلك المبادرة التي لو أُخِذَ بها لوفّرت الأنظمة العربية على نفسها الدخول في صراعات لم تكن مؤهلة في أي يوم من الايام للإنتصار فيها ، وحتى يومنا هذا... تلك المبادرة التي رفضها وهمّشها العرب وأثبتت السنون والأحداث بإنها كانت الأكثر حكمة من كل تلك المواقف العربية، الزائفة، والتي لم توصلنا إلا إلى المزيد من الخسائر في ظل أنظمة لم تر في هذه القضية، إلا سبيلاً للتهرب من التزاماتها أمام شعوبها...
فيا ترى هل يعيش العرب اليوم التجربة ذاتها مع القيادة التونسية الحالية؟
في بيان تأجيل القمة برزت بوضوح تلك الإشارة التونسية إلى رفض قادة الدول العربية (الكبيرة) للتعديلات المطروحة من قِبَل تونس على وثيقة "العهد والوفاق والتضامن" الإصلاحية... ذلك الرفض الذي وصفته تونس في بيان تأجيل القمة بـ "تباين في المواقف حول بعض التعديلات والإقتراحات التي كان تقدم بها الجانب التونسي حول مسائل يراها جوهرية وبالغة الأهمية بالنسبة إلى التطوير والتحديث والإصلاح في بلداننا العربية".
وفي الجانب الآخر ذكرت وكالة الأنباء التونسية، الرسمية، بإن المطلب التونسي كان منحصراً في تعديلات محددة على وثيقة العهد، أولاً، من حيث "أن تعلن بوضوح الإلتزام بمواصلة الإصلاح الشامل في الدول العربية في كافة المجالات"... مما يشير إلى إن الوثيقة كانت فاقدة لمضمون الإلتزام الواضح والعلني بالإصلاح وآلياته التنفيذية والزمنية ، وثانياً، من حيث تضمين الوثيقة بالمسائل "الجوهرية والمصيرية والهامة لعملية التطوير والتحديث والإصلاح داخل مجتمعاتنا العربية"، والذي جاء نصاً واضحاً في الأخبار التونسية للتذكير بإنه" من الغريب، مثلاً، أن لا نجد في مشروع (العهد) في صيغته قبل إقتراح التعديل التونسي كلمة الديمقراطية، وهذا التغييب في حد ذاته موقف له دلالات لا تحتاج إلى تفسير، ولا غرابة، فعدة مفاهيم ومبادئ أخرى غائبة بدورها مثل دور المجتمع المدني وحوار الحضارات.... وغيرها"، مما يشير بوضوح بإن وثيقة العهد الإصلاحية التي كان يراد لها أن تمرر دون أي تعديل في تلك القمة، بها إنقاص لمكتسبات حققها ، على الأقل، الشعب التونسي، مثل مكتسبات المرأة التونسية التي حققتها على مدى تاريخ طويل... إضافة إلى تلك الضبابية وعدم الوضوح بالإلتزام أو بالمعايير المطلوبة من تلك الإصلاحات.
من كل ما سبق نحصل على مؤشرات واضحة بإن هناك أنظمة عربية تريد لهذه القمة العربية أن تحذو حذو القمم السابقة، رغم كل تلك الأخطار والكوارث السياسية التي تمر بها هذه الأمة... ولا زالت تلك الأنظمة، "الدول العربية الكبيرة"، التي لعبت أسوأ الأدوار في خلق هذا الظرف العربي الأسوأ في تاريخنا، لا زالت، تريد أن تبقى في الصدارة والقيادة، وتلعب دورها في إبقاء هذا الوضع العربي على ما هو عليه... وأن تتم اللعبة حسب إرادتها ورؤيتها النابعة من تبعيتها لإرادة الهيمنة الإستعمارية الجديدة... وتصر على تهميش أدوار الأطراف الأخرى، سواء أدوار الدول العربية (الصغيرة)، أو دور الشعوب العربية التي فاض بها ما تعاصره من إحتلال وإذلال ومذابح وفقر وظلم وفساد...
فهل توضحت الرؤية !! ... في أسباب تأجيل القمة ...


كلمات دالة: