إنها ظاهرة تستحق الإشادة والتمعن والدراسة... تلك الظاهرة التي اتضحت صورتها في العراق بعد المذابح البشعة في كربلاء والكاظمية، المذابح التي عوضاً عن أن تتسبب في حرب طائفية طاحنة، حسب ما كان مخطط لها من قِبَل منفذيها، أدت إلى تحقيق لحمة وطنية متجددة بين جميع أفراد الشعب العراقي المسلم من أبناء الطائفتين السنة والشيعة (عدا افراد وميليشيات مجلس الحكم)، فلم تتحقق أهداف مرتكبي تلك الجريمة، مما يعطي مؤشراً واضحاً وجلياً على عمق وعي وثقافة ووطنية الشعب العراقي في إدارة البلاد في وقت الأزمات.

ينتظر المرء عمراً إلى أن يؤون أوان زيارته إلى بيت الله الحرام، الكعبة المشرفة، ذلك الأوان الذي يُكتَب لكل مسلم، فلا يتقدم يوم ولا يتأخر لأي ظرف أو سبب، وخصوصاً أوان الزيارة الأولى... سواء زيارة العمرة أو الحج الأكبر... تلك الزيارة التي هي أولاً ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه الأساسية، وثانياً هي الزيارة التي يقوم بها المسلم لجوءاً إلى الله في بيته طالباً منه الغفران، وساعياً للشفاء مما يعجز البشر عن استشفائه... ولاجئاً لطلب الصفاء... وسائلاً رب العالمين الصبر والهدوء النفسي لعواصف الحزن والألم في داخله، ذلك الحزن الذي قد يقتلع قلبه من بين ضلوعه أو عقله من دماغه... فهل هناك من قدرة على خلق ذلك الهدوء الداخلي وذلك الصفاء العاطفي أو تلك الراحة النفسية غير القدرة الإلهية العادلة والمنصفة والرحيمة...
جاءني ذلك الأوان لزيارة العمرة فكنت بين المعتمرين إلى بيت الله الحرام في عطلة عاشوراء الماضي، وكانت هي زيارتي الأولى للخشوع في رحاب الحرم المكي... واللقاء الأول مع الهيبة الإلهية أمام عتبات باب بيته... لاجئة إليه سبحانه العلي القدير... ومتوسلة في قدراته العظيمة ورحمته الواسعة... ولكل إنسان توسلاته وأسبابه الخاصة في اللجوء إلى رحمة الله وعظمته... وهو السميع المجيب.

من الخطأ الإعتقاد بأن برنامج (الأخ الأكبر) هو مجرد برنامج تلفزيوني يمكن مواجهته بالوقوف ضد بثه أو تصويره في البحرين ، حيث من الممكن أن يتم سحب هذا البرنامج من الباب ويُدَس لنا ما هو أسوأ من الشباك بأشكال أكثر قبولاً وبتوريات أكثر غموضاً ... إن لم يكن المجتمع واعياً لما يحدث على أرض الواقع.
إنها حرب إعلامية موجهة ومبرمجة للشباب ، والشباب هم الهدف في إستراتيجية هذه الحرب ... لذلك سوف تكون حرباً ناعمة ... بها من المغريات والإغراءات ما قد يعجز شبابنا عن رفضها أو إستيعابها ... وقد لا يفلت من الإنغماس بها ... وخصوصاً بأن دراسات مبكّرة قد أعدت من خلال مختلف المصادر ، وأهم نتائج تلك الدراسات هو بث الإذاعة الإمريكية الشبابية الناعمة (كالأفعى) التي تدعى (سوا) ... والفضائية الإخبارية الإمريكية (الحرة) التي تبث من خلال موجات تلفزيون العراق سابقاً ... وغير ذلك مما يدس من خلال فضائياتنا العربية العتيدة التي لا تبخل إداراتها العربية من الإشتراك في الجريمة ... بهدف تحقيق بعض المصالح في السلطة والثروة ، ولا شيئ غير ذلك .
إن جل ما يتم أداءه من خلال الإعلام الموجه لإلغاء هويتنا الثقافية في مجتمعاتنا العربية لهو رديف لما يتم من تغييرات على مناهج التعليم في جميع المراحل الدراسية العربية في الوطن العربي ... والعمليتين تتبعان نفس السياسات التي أعلنت عن نفسها مراراً في المبادرات الإمريكية المختلفة ، منها مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (لتصدير الديمقراطية إلى المنطقة) ، ومنها أيضاً مبادرة الشرق الأوسط الكبير (التي بدأت تقض مضاجع الأنظمة قبل الشعوب العربية) ...

مع بدء عرض النسخة العربية من برنامج (الأخ الأكبر) الذي يتم تصويره في البحرين تحت عنوان (الرئيس)، بدأ الحديث يدور في مجتمعنا البحريني ما بين والرفض الإستياء وبين القبول والتشجيع، حيث ترفع الجماعة السلفية والتيار الإسلامي الممثل بالأغلبية في البرلمان راية الرفض، وتتقدم مجموعة رجال الأعمال وأصحاب رأس المال في البلد جماعة القبول، كل بمنطلقاته وأهدافه الخاصة ، دون أن نعرف بشكل عام رأي عامة الناس والتيارات السياسية والنخب الثقافية المختلفة في هذا الموضوع، سواء محلياً وعربياً.
وبعيداً عن التيارات السياسية، أو عن تيار الأوتوقراط ورأس المال المؤهل بأن يشكّل ، مع الوقت، رافداً جديداً لمواجهة السلفية ونشاطاتها المتطرفّة، ومن موقع رؤيتنا في عموم المنظومة الإعلامية المتلاعبة بالعقول ، التي تدخل ، في إطارها العام، هذه البرامج التلفزيونية ومختلف ما يبث إلى هذه المنطقة من خلال المحطات الفضائية، نسرد رأينا دون أن يأتي رفضنا أو قبولنا مؤسساً بدوافع ومصالح خاصة بأفراد أو جماعات معينة، بل ضمن رؤية عامة في السياسات المرسومة لهذه المنطقة وسبل مواجهتها.