زيــارة العمــرة

ينتظر المرء عمراً إلى أن يؤون أوان زيارته إلى بيت الله الحرام، الكعبة المشرفة، ذلك الأوان الذي يُكتَب لكل مسلم، فلا يتقدم يوم ولا يتأخر لأي ظرف أو سبب، وخصوصاً أوان الزيارة الأولى... سواء زيارة العمرة أو الحج الأكبر... تلك الزيارة التي هي أولاً ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه الأساسية، وثانياً هي الزيارة التي يقوم بها المسلم لجوءاً إلى الله في بيته طالباً منه الغفران، وساعياً للشفاء مما يعجز البشر عن استشفائه... ولاجئاً لطلب الصفاء... وسائلاً رب العالمين الصبر والهدوء النفسي لعواصف الحزن والألم في داخله، ذلك الحزن الذي قد يقتلع قلبه من بين ضلوعه أو عقله من دماغه... فهل هناك من قدرة على خلق ذلك الهدوء الداخلي وذلك الصفاء العاطفي أو تلك الراحة النفسية غير القدرة الإلهية العادلة والمنصفة والرحيمة...
جاءني ذلك الأوان لزيارة العمرة فكنت بين المعتمرين إلى بيت الله الحرام في عطلة عاشوراء الماضي، وكانت هي زيارتي الأولى للخشوع في رحاب الحرم المكي... واللقاء الأول مع الهيبة الإلهية أمام عتبات باب بيته... لاجئة إليه سبحانه العلي القدير... ومتوسلة في قدراته العظيمة ورحمته الواسعة... ولكل إنسان توسلاته وأسبابه الخاصة في اللجوء إلى رحمة الله وعظمته... وهو السميع المجيب.


وفي تلك الزيارة إلى بيت الله، بيت الرب الذي خلقنا جميعاً بشراً (رجالاً ونساءاً) بعقول مفكرة، متساويين في الحقوق والواجبات، ومتساوين في العقاب والثواب الإلهي، ومتساويين في الإنسانية والعدالة الإلهية... في تلك البقعة الأطهر والأقدس على وجه الأرض، واجهت كما تواجه كل إمرأة هناك العديد من المواقف المسيئة إلى حرمة البيت الإلهي وإنسانية وعظمة الإسلام، مواقف كثيراً ما سمعت عنها من النساء قبل أن أواجهها بنفسي، ومواقف أرى إنه ليس من العدالة عدم الإعلان عنها وإيصالها إلى أولي الأمر... لما لها من آثار وإنعكاسات سلبية على مبادئ الإسلام وعدالته.
في تلك البقعة حول بيت الله، وفي أثناء أداء أكثر الفروض الإسلامية تقرباً من الله وخشوعاً لهيبته، تلقى المرأة المسلمة معاملة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مهينة وسيئة ودونية، بدءاً من دفعها المستمر إلى الخلف في كل أماكن التعبد والصلاة بسلوك مهين وغير لائق، وإلى الخلف باستمرار عند أداء جميع الفروض، انتهاءاً بتوجيه الإهانات الشفوية إليها، بأغلظ الألفاظ وأبذأها، طلباً لتغطية نفسها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، ومروراً بحرمانها من الصلاة في جميع المواقع الأمامية في مواجهة البيت الشريف وتخصيص تلك الأماكن للرجال فقط.
في ذلك المكان الأثير والأكثر قدسية، الذي هو ملك لجميع المسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، رجالاً ونساءاً، في تلك البقعة من الأرض التي للمسلمة فيها حق يعادل تماماً حق المسلم، في ذلك المكان ترى المرأة المسلمة أسوأ معاملة وأكثرها إنتهاكاً لكرامتها الإنسانية وانتقاصاً لحقوقها في التَعَبُد، وأسوأ معاملة دونية بهدف تحويلها إلى مخلوق يتحرك في الخفاء ووراء الغطاء الكامل بدون شكل أو مضمون أو هوية... وكل ذلك يتم على أيدي أفراد من الرجال والنساء يتحركون داخل المسجد الحرام لأداء هذه المهمة وكأنهم يملكون التفويض الكامل لتشويه صورة الإسلام وخلق حالة من النفور والاستفزاز لدى الزائرات.
يا ترى هل هكذا يتم تكريم المرأة في الإسـلام؟ وهل تكريم المرأة المسـلمة يعني إنهاء وجودها وهويتها والإنتقاص من شأنها؟ من أين يستمد هؤلاء الأفراد العاملين داخل الحرم المكي ذلك الحق في تلك الممارسات التي لا علاقة لها بديننا الإسلامي الحنيف... تلك الممارسات التي لا توحي إلا بسلوكيات مريضة لاستعمال سلطة القوة، والطائفية، والانغلاق الفكري والديني؟... ويا ترى ألم يحن الوقت لتبديل تلك المعاملة الدونية وتلك النظرة المتخلفة باتجاه المرأة، واعتبارها كيان كامل، وغير ناقص، إبتداءاً من داخل ذلك الموقع الديني الأشرف والأطهر على وجه الأرض؟... وأخيراً أين السلطات المنظمة لشئون الحج في مكة المكرمة عن تلك الممارسات؟ ولماذا السكوت عنها؟


كلمات دالة: