(الأخ الأكبر) ... المواجهة بالحلول

مع بدء عرض النسخة العربية من برنامج (الأخ الأكبر) الذي يتم تصويره في البحرين تحت عنوان (الرئيس)، بدأ الحديث يدور في مجتمعنا البحريني ما بين والرفض الإستياء وبين القبول والتشجيع، حيث ترفع الجماعة السلفية والتيار الإسلامي الممثل بالأغلبية في البرلمان راية الرفض، وتتقدم مجموعة رجال الأعمال وأصحاب رأس المال في البلد جماعة القبول، كل بمنطلقاته وأهدافه الخاصة ، دون أن نعرف بشكل عام رأي عامة الناس والتيارات السياسية والنخب الثقافية المختلفة في هذا الموضوع، سواء محلياً وعربياً.
وبعيداً عن التيارات السياسية، أو عن تيار الأوتوقراط ورأس المال المؤهل بأن يشكّل ، مع الوقت، رافداً جديداً لمواجهة السلفية ونشاطاتها المتطرفّة، ومن موقع رؤيتنا في عموم المنظومة الإعلامية المتلاعبة بالعقول ، التي تدخل ، في إطارها العام، هذه البرامج التلفزيونية ومختلف ما يبث إلى هذه المنطقة من خلال المحطات الفضائية، نسرد رأينا دون أن يأتي رفضنا أو قبولنا مؤسساً بدوافع ومصالح خاصة بأفراد أو جماعات معينة، بل ضمن رؤية عامة في السياسات المرسومة لهذه المنطقة وسبل مواجهتها.


القصة تبدأ من هناك... منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي، ومنذ بدء الصراع الإمريكي ضد الغزو السوفييتي (الشيوعي) لإفغانستان... ذلك الصراع الذي ما كان ليحقق أهدافه الإمريكية لولا ذلك الإستغلال البشع للإسلام والمسلمين... حينها رأى الطرف الإمريكي ضرورة خلق تلك المنظمات الإسلامية السياسية المتطرفة والإيعاز لها برفع راية الجهاد للحرب ضد (الكفار) في إفغانستان، فجاء خلق وإنتشار تلك المنظمات ضمن (أعظم، وأخبث) المهمات التي قامت بها أجهزة المخابرات المركزية الإمريكية (سي آي إيه) ، ومن أكثرها أهمية في التاريخ الإمريكي. ولكن كيف كان لكل ذلك أن يتحقق دون إيجاد الأرضية الثقافية المطلوبة في داخل المجتمعات العربية ... وهنا كان الدور الأعظم لآلة الإعـلام الإمريكي لتحقيق ذلك التغيير الثقافي المطلوب، من داخلنا... بدءاً بإقصاء كل الثقافات الوطنية، وتشويه كل الأفكار السياسية والفلسفية السائدة في ذلك الوقت ، وأنتهاءاً بتحويل الثقافة الإسلامية السمحة والمسالمة إلى ثقافة التطرف ورفض الآخر بكل معتقداته وأفكاره ... وإلى ثقافة الجهاد ضد (الكفر والكفار)... فتم توجيه جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ، وبرمجة جميع التقنيات العلمية والسياسية الإعلامية ضمن ذلك التوجيه... ومن ثم زج بإبناء هذه الأمة إلى تلك الحرب القذرة ليكونوا وقودها كما فتحت المصارف العالمية أبوابها لأموال النفط العربي لتشغيل مصانع الأسلحة، وتجارة الأسلحة، وتوفير السلاح لضمان تحقيق النصر للقطب الإمريكي على القطب الشيوعي.
وهكذا كان للإعلام الإمريكي الفضل الأكبر في هدم ثقافتنا العربية الأصيلة وإحلال ثقافة دخيلة مكانها... ثقافة الطائفية والتطرف والتزمت الديني... وتحويل تلك الحرب التي كانت في الأساس صراع نفوذ بين الإمبريالية والشيوعية إلى حرب معتقدات بين الإسلام والكفر... تلك الحرب التي لم نتخلّص من تداعي نتائجها على منطقتنا حتى هذا اليوم...
من أهم نتائج تلك الحرب هو جلوس القوة الإمبريالية العظمى على عرش العالم، وتشكيل نظام دولي جديد، نظام القطب الواحد دون منافسة. أما التداعيات فهي تتالى علينا ... وأهمها إن مصالح النظام الدولي الجديد تستدعي إعادة ترتيب العالم العربي والإسلامي، وهذا الترتيب الجديد بحاجة ماسة لتغيير ثقافة هذا المجتمع مرة أخرى نحو قبول هذا النظام بكل مساوئه ... وكيف يتم ذلك ؟ ... بالإعلام !!.
وهكذا بدأت آلة الإعلام باللعب مرة أخرى ... ولكن هذه المرة بتغيير ثقافة التطرف إلى ثقافة التمييع والتلاهي، وخلق جيل إهتمامه الوحيد متابعة أسخف ما يتم تصديره لنا من أفكار ... بهدف الإبتعاد عن أي إنفتاح فكري وثقافي رافض ومعارض لدور وسياسات ذلك النظام الدولي الجديد في أوطاننا ومجتمعاتنا ... وهكذا ... بينما جيل الكبار، في مجتمعاتنا، منغمس اليوم بكل طاقاته في ثقافاته الطائفية ونزاعاته الفكرية ومصالح زعاماته الفردية، يتم توجيه جيل الشباب من خلال برنامج (الأخ الأكبر) وغيره من برامج نحو كل ما هو بعيد عن الإهتمامات الوطنية تماماً.
ماذا بعد ... هذا هو السؤال ... ماذا بعد ... و كيف يمكننا مواجهة هذا الذي نعرف بأنه حرب إعلامية موجهة ومبرمجة لتحقيق أغراض ضد مصالحنا ... هل الرفض واستمرار الرفض هو الحل ؟؟.
هذا حديث آخر...