إعادة بناء الثقافة العربية ... لمواجهة (الأخ الأكبر) ... والأكبر

من الخطأ الإعتقاد بأن برنامج (الأخ الأكبر) هو مجرد برنامج تلفزيوني يمكن مواجهته بالوقوف ضد بثه أو تصويره في البحرين ، حيث من الممكن أن يتم سحب هذا البرنامج من الباب ويُدَس لنا ما هو أسوأ من الشباك بأشكال أكثر قبولاً وبتوريات أكثر غموضاً ... إن لم يكن المجتمع واعياً لما يحدث على أرض الواقع.
إنها حرب إعلامية موجهة ومبرمجة للشباب ، والشباب هم الهدف في إستراتيجية هذه الحرب ... لذلك سوف تكون حرباً ناعمة ... بها من المغريات والإغراءات ما قد يعجز شبابنا عن رفضها أو إستيعابها ... وقد لا يفلت من الإنغماس بها ... وخصوصاً بأن دراسات مبكّرة قد أعدت من خلال مختلف المصادر ، وأهم نتائج تلك الدراسات هو بث الإذاعة الإمريكية الشبابية الناعمة (كالأفعى) التي تدعى (سوا) ... والفضائية الإخبارية الإمريكية (الحرة) التي تبث من خلال موجات تلفزيون العراق سابقاً ... وغير ذلك مما يدس من خلال فضائياتنا العربية العتيدة التي لا تبخل إداراتها العربية من الإشتراك في الجريمة ... بهدف تحقيق بعض المصالح في السلطة والثروة ، ولا شيئ غير ذلك .
إن جل ما يتم أداءه من خلال الإعلام الموجه لإلغاء هويتنا الثقافية في مجتمعاتنا العربية لهو رديف لما يتم من تغييرات على مناهج التعليم في جميع المراحل الدراسية العربية في الوطن العربي ... والعمليتين تتبعان نفس السياسات التي أعلنت عن نفسها مراراً في المبادرات الإمريكية المختلفة ، منها مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (لتصدير الديمقراطية إلى المنطقة) ، ومنها أيضاً مبادرة الشرق الأوسط الكبير (التي بدأت تقض مضاجع الأنظمة قبل الشعوب العربية) ...

تحقيقاً لتلك الرؤية المفروضة علينا من الخارج تحت إدعاءات وإفتراءات إن المنطقة بحاجة ماسة للديمقراطية التي لن تتحقق في هذه المجتمعات ، كما يعتقدون ، إلا بإلغاء الثقافة العربية بكل تراثها وتاريخها الحضاري الممتد إلى أعماق التاريخ البشري ، وتَبَنّي ثقافة جديدة أبعد ما تكون عن الفكر الوطني أو الإنساني ، وأبعد ما يكون عن كل ما يمكن أن يشكل معارضة للمحتل أو المستعمر الجديد في المستقبل ...
إذن الحرب الإعلامية ضدنا ، بدأت مبكراً ، وبكل الأسلحة التي قد تضمن لها النصر ... وما نملكه حتى الآن هو المواجهة بالرفض البدائي ... والإعتصام والإحتجاج الفوضوي ... وهي إحتجاجات يعرفها الطرف الآخر جيداً ... ويعرف سبل مواجهتها لأنها قصيرة الأجل ، وغير منظمة ، وتحمل بداخلها متناقضاتها المتدرجة بين الرفض وعدم الوعي وعدم القناعة التامة ... لذلك كانت هذه الإحتجاجات في مناسبات كثيرة لا تحقق جدوى حقيقية ...
والأدهى من كل ذلك هو موقف مؤسسات المجتمع المدني من هذه القضية ، حيث تندرج بين مواقف أحزاب الإسلام السياسي الملتزمة بالافق الطائفي في المزايدة (بين الصمت ، والرفض) ، وبين مواقف الأحزاب اليسارية والوطنية غير القادرة على بلورة رؤاها بعمق فكري ملتزم بالمصالح الوطنية في مواجهة هذه القضايا ، وبين مواقف مؤسساتنا الأهلية وما تعانيه من ضعف في الأداء الإداري والإجتماعي في القضايا المجتمعية الكبرى .
لذلك ، نحن بحاجة لحلول رافضة لكل هذه السياسات من إعلام إلى تعليم ... حلول يتم وضعها في بُنَى كل بيت عربي ... ويتناولها كل فرد عربي في جميع وجباته وواجباته اليومية ... الرفض من الداخل ... ببناء وتبني وإستنهاض تراث فكري من عمقنا العربي ... الرفض فكراً ... والإعلان عن الرفض في صور مختلفة بإنتظام ووعي كاملين ...
الحلول بين أيدينا ، وتبدأ من داخل بيوتنا ... علموا أولادكم وبناتكم الحوار الحر والمنطقي بعيداً عن ذلك الحشو التقليدي لعقولهم ... أرضعوهم مفاهيم الوطنية والولاء والإنتماء لهذه الأرض وهذا الوطن الكبير ... أرضعوهم مفاهيم الثقافة العربية التي نشأت وترعرت في ظل الإسلام ، وأنيروهم بفكر الإسلام السليم وليس المتزمت والمتطرف ... أولادكم في بيوتكم ... هم السلاح الذي تحاربون به كل تلك الهجمات التتارية والصليبية القادمة ...