تحية إلى عراق العروبة والإسلام...

إنها ظاهرة تستحق الإشادة والتمعن والدراسة... تلك الظاهرة التي اتضحت صورتها في العراق بعد المذابح البشعة في كربلاء والكاظمية، المذابح التي عوضاً عن أن تتسبب في حرب طائفية طاحنة، حسب ما كان مخطط لها من قِبَل منفذيها، أدت إلى تحقيق لحمة وطنية متجددة بين جميع أفراد الشعب العراقي المسلم من أبناء الطائفتين السنة والشيعة (عدا افراد وميليشيات مجلس الحكم)، فلم تتحقق أهداف مرتكبي تلك الجريمة، مما يعطي مؤشراً واضحاً وجلياً على عمق وعي وثقافة ووطنية الشعب العراقي في إدارة البلاد في وقت الأزمات.


وهنا لا بد من الإشارة إلى الوضع النقيض لذلك الموقف العراقي، في باقي مجتمعاتنا العربية... فبينما كلمة لامسؤولة تصدر من فرد في برلمان، أو كلمة نقد لمظهر من مظاهر الممارسات الدينية (حتى لو كان عن حجاب المرأة) على شاشات التلفزة، تخلق استنفاراً بين الجماعات وتشحن الناس بأحقاد طائفية، لها أول وليس لها آخر، في مختلف مجتمعاتنا العربية الضعيفة البنية الثقافية والوطنية، والمتخمة بالشحنات الطائفية السياسية، والمبتلاة بزعامات دينية وسياسية وثقافية تتحرك في دائرة مصالحها الذاتية، نرى الشعب العراقي يتعامل مع تلك المذابح والجرائم تعاملاً عقلانياً مترفعاً على الأغراض السياسية التي من شأنها القضاء على ما تبقى من تماسك المجتمع العراقي ووحدته، وخصوصاً إن العراقيين يعلمون علم اليقين أسباب تلك الجرائم ومن هي الأطراف المتعاونة على تنفيذها، كما يعلمون ما هو دور دول الجوار في مأساتهم الحالية وما هي أطماع ومصالح تلك الدول في استغلال الفرصة التاريخية في الوضع العراقي الحالي.
بقيادة سماحة السيد جواد الخالصي، إمام الحرم الكاظمي، وسماحة الشيخ الدكتور ثامر الضاري، أمين عام مجلس علماء المسلمين في العراق، وقف الشعب العراقي وقفة رجل واحد في كشف ذلك المخطط القبيح الذي يحاول تفتيت العراق لأسباب وأغراض مختلفة... هذه الوقفة جاءت بناءاً على قناعة تامة لدى جميع فئات الشعب العراقي بإن مذابح كربلاء والكاظمية، وقبل ذلك مذبحة النجف الأشرف، تعد ممارسات لا يمكن أن يقوم بها عراقي من أية طائفة دينية أو قومية... وهذا عُرْف راسخ في عمق التراث التربوي والثقافي والأخلاقي والسياسي العراقي... لذلك هم متأكدون من إن المنفذين والمخططين جاءوا من خارج العراق، وبموافقة ضمنية واضحة من قوات الإحتلال... من دول وأطراف لها مصالح سياسية في إعطاء ذلك الطابع الطائفي والإثني للعراق، ولها مصالح في جعل العراق في وضع غير مستقر أمنياً وما لذلك من تأثير على وضع الحوزة في النجف الأشرف... والعراق اليوم في أسوأ وأضعف ظرف تاريخي، فما الذي يمنع الأعداء التاريخيين للعراق أن يستفيدوا من هذا الظرف أحسن إستفادة...
لقد أثبت العراقيون للعالم كذب كل الإدعاءات القائلة بضرورة بقاء الإحتلال الإمريكي منعاً لنشوب حرب أهلية بين القوميات والطوائف المتعددة في المجتمع العراقي... أثبت العراقيون للعالم إنهم شعب عريق وعلى درجة كبيرة من الوعي بما يحاك له من مؤامرات، وإنه شعب على درجة كبيرة من الحس الوطني، وشعب ملتزم بعروبة العراق ، وملتزم بالإسلام بعيداً عن الطائفية البغيضة ، وإن ثقافته القومية والعروبية لا يمكن أن تخترقها الطائفية الحاقدة.
لقد أثبت العراقيون من خلال موقفهم العفوي الموحد، واتفاقهم على إتهام قوات الإحتلال بهذه الجرائم سواء بقيامهم بالفعلة الدنيئة مباشرة أو بعدم توفير الأمن والحماية المطلوبين لهذا الشعب المحتل، أثبتوا أن ذلك التمثيل الطائفي في الحكم الزائف الحالي ما هو إلا محاولة استعمارية لخلق واقع طائفي وإثني يلبي مصالح أفراد وجماعات لا علاقة لها بالعراق ولا بالإسلام ولا بأي حق وطني أو ديمقراطي... مصالح أطراف يراد دعمها وإعطائها القوة والسلطة لبناء مراكز قوة (مافيات) داخل العراق تعمل لصالح الإستعمار الإمريكي وهيمنته على ثروات العراق على المدى البعيد.
كل يوم وكل حادثة من تلك الحوادث تكشف الأكاذيب الإمريكية المستمرة دون توقف... وتكشف فقدان الإدارة الإمريكية لكل مصداقية سواء فيما تبثه من أكاذيب بعد كل جريمة أو ما كانت تبثه من أكاذيب سابقة لتبرير غزو العراق وإحتلاله... ياترى هل سوف يسير العالم على خط الكذب الواهي هذا لفترة طويلة... وهل سوف نصحوا كل يوم على إيقاع إنفجارات وأشلاء مئات الضحايا الأبرياء... وإلى متى سوف يستمر ذلك؟...


كلمات دالة: