الثقافة السياسية والتطور الديمقراطي (1)

تعددت التعريفات النظرية لمفهوم الثقافة السياسية كما هي بالنسبة لمفاهيم علم السياسة الأخرى، ولكن يتفق أغلب المختصين في حقل السياسات المقارنة على أن الثقافة السياسية بصفة عامة هي مجموعة من المعارف والقيم والمعايير والرموز والقواعد المقبولة في العمل السياسي، بشكل واعي او غير واعي، والتي تستخدم لتبرير الاهداف ولتحديد الوسائل السياسية في بلد معين، كما أن هناك علاقة وثيقة بين الثقافة السياسية والديمقراطية من الضروري دراستها لاهمية هذه القيم الثقافية كأداة تحليلية هامة توضح العلاقات السائدة في المجتمع من ناحية والعلاقات المتبادلة بين النظامين السياسي والاجتماعي من ناحية أخرى.


وعلى هذا الأساس فإن الثقافة السياسية تختلف من مجتمع إلى آخر بسبب إرتباطها الوثيق بمجموعة من المعايير والعوامل السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية بالإضافة إلى الظروف التاريخية الخاصة بكل مجتمع . كما تتغير الثقافة السياسية للمجتمع مع تغيّر الظروف التاريخية والأطر الثقافية والقيمية، ومع التحولات الكبيرة في نظام الحكم، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية. ورغم وجود ثقافة سائدة يشارك بها الاغلبية الساحقة من الناس في مجتمع ما، الا انه توجد ثقافات فرعية لا تتناقض مع الثقافة السائدة تحملها بعض الاقليات في نفس المجتمع ، وقد توجد ثقافات مضادة تتناقض عناصرها مع عناصر الثقافة السائدة.
تنتقل قيم الثقافة السياسية من جيل إلى آخر من خلال عمليات التنشئة السياسية والاجتماعية التي تقوم بها مختلف المؤسسات في المجتمع مثل الأسرة والمدرسة والجامعة والجمعية والحزب والنقابة ووسائل الإعلام. أما الحكومات، بمختلف أشكالها، فإنها تهتم بالثقافة السياسة، سلباً أو إيجاباً، لما لها من تأثيرات مهمة في مختلف جوانب الحياة السياسية، وخاصة تلك المتعلقة بقضايا المساندة السياسية للنظام والشرعية السياسية والمشاركة السياسية.
وفي ضوء ذلك، فإن الديمقراطية ليست مجرد قوانين ومؤسسات سياسية وعمليات انتخابية وإجراءات مؤسسية لإدارة العلاقة بين الدولة والمجتمع فحسب، ولكنها إضافة إلى كل ذلك هي مجموعة من القيم والمبادئ التي تعد بمثابة الإطار الثقافي للنظام الديمقراطي. أهم هذه القيم هي: الاعتدال، والتسامح السياسي والفكري، والقبول بالتعددية في مجال الفكر والسياسة، والإيمان بالحوار كوسيلة للإقناع والاقتناع، وبالتنافس السلمي كوسيلة لكسب ثقة الناخبين من أجل الوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها، مع تقبُّل الهزيمة في حال عدم الفوز. كما إن قيم الحرية والمواطنة والمساواة والمشاركة وسيادة القانون، تعد من المكونات الرئيسية للثقافة السياسية الديمقراطية. هذا ما يؤكده تاريخ التطور السياسي للنظم السياسية، إذ لا يمكن إقامة نظام ديمقراطي حقيقي في أي مجتمع دون تأسيس وترسيخ قيم الديمقراطية في الثقافة السياسية لدى أفراد هذا المجتمع، الأمر الذي يجعل هذه القيم هي الأساس في إدارة العلاقات داخل المؤسسات المختلفة في المجتمع وفيما بين المؤسسات من ناحية، كما يجعلها العنصر الرئيسي في صياغة الرابطة المعنوية والعلاقة السياسية بين الحاكم والمحكوم من ناحية أخرى.