رؤية . . . من النافذة الغربية

للكاتب الغربي، باتريك سيل، مقال نشر في صحيفة الإتحاد الإماراتية يوم ۳۰ مايو 2004، عن الواقع العربي الجديد، فيه الكثير من العبر والمعاني، التي يمكن أن لا تكون واضحة لنا ونحن نعيش أحداثه يوماً بيوم . . ولكن تكون واضحة للمراقب والمتتبع الخارجي وهو ينظر إلى الصورة من زواياها واتجاهاتها المختلفة. في مقاله، يعدد باتريك سيل مختلف مواضع الضعف العربي في التاريخ المعاصر، مثل تدنى معدلات النمو الاقتصادي، وتدني معدلات الإستثمارات الأجنبية في الإقتصاد العربي إجمالاً، وتخلف التعليم، وضعف علاقة العرب بفضاء المعلومات والإنترنت، وغياب الديمقراطية، وارتفاع وتيرة إنتهاكات حقوق الإنسان، وقهر المرأة، والقصور السياسي لدى الأنظمة والقيادات العربية . .

إضافة إلى تردي حال التضامن العربي إلى أدنى مستوياته . . يعدد كل ذلك في قائمة يصفها بأنها تبدو قائمة لا نهائية للأوضاع العربية السيئة والمتردية التي جعلت العرب عاجزين عن منع الإحتلال الأمريكي للعراق والصهيوني لفلسطين . . إلا أن . . باتريك سيل يقر بأن "العرب بملايينهم العديدة يمرون حاليا بحالة يقظة، أو نهضة، أو تخلص من العادات القديمة، وتعطش للتغيير",
يعترف هذا الكاتب الغربي، القريب جداً من الأحداث في العراق وفي فلسطين، أنه "إذا كان صحيحا أن المجتمع العربي قد غدا ضعيفا، فإن الصحيح أيضا هو أنه لم يحدث من قبل أن كان هذا المجتمع على هذه الدرجة من الوعي المؤلم بضعفه، وهو ما يعتبر في حقيقته شرطا مسبقا لليقظة والانبعاث".
فمن نافذته الغربية يرى باتريك سيل أن أحداث العراق وفلسطين تعتبران نقطة التحول التي سوف يقوم عندها العرب "بحشد قواهم والإنقلاب على قاهريهم" . . ويرى أن مواقع القوة في الواقع العربي الذي بدأ يتشكل من خلال عمل المقاومة البطولية في الفلوجه والنجف وجنين ورفح وأماكن كثيرة غيرها، ما هي إلا "دليل على أن العرب في بدايات القرن الحادي والعشرين، غير مستعدين للخضوع لتجربة استعمارية جديدة . . فهم يرفضون ذلك تماماً ومستعدون للموت دفاعاً عن استقلالهم" .
يمثل رأي باتريك سيل في هذا المقال، رأي قطاع كبير من المفكرين والكتاب الغربيين الذين توصلوا إلى قناعات ورؤى جديدة حول البعد الإقليمي والدولي للمقاومة العراقية والفلسطينية . . مؤكدين أن إرتفاع وتيرة القهر الإستعماري والإحتلالي، في هذه المنطقة، إلى أعلى معدلاتها، بجانب تردي الأوضاع العربية إلى أدنى معدلاتها، خلقا واقعاً جديداً من شأنه أن يتفاعل نحو تغيير جذري في الشأن السياسي والإجتماعي العربي، وما يترتب على ذلك من تغيير في الشأن السياسي الدولي . . حيث إن الواقع العربي الجديد الذي يريد أن يبدأ عنده الإستعمار الجديد في بناء إمبراطوريته، لا يشبه ذلك الواقع العربي عند بداية الإمبراطوريات الإستعمارية القديمة . . فالشعوب العربية بما تملك اليوم من إمكانيات معرفية وعلمية أصبحت قادرة على المقاومة والتصدي لإفشال ممارسات أنظمتها الفاسدة والمستسلمة لإرادة المستعمر، وقادرة على تغيير الإستراتيجيات العدوانية والتوسعية الأجنبية القائمة على حساب مصالحها.
وفي نهاية مقاله يؤكد باتريك سيل "إن الاحتلال عملية ذات اتجاهين، فهي تتطلب قدرا من القبول السلبي من جانب المستعمر، كما تتطلب في الوقت نفسه عدواناً متغطرساً من جانب المستعمر، أما ما نشاهده اليوم فهو أن هذه العملية يجري تقويضها في الاتجاهين: فالمستعمرون لم يعودوا سلبيين كما يفترض، كما أن المستعمرين قد غدوا نهباً للشك بدلا من الغطرسة".
بهذا نؤكد، مرة أخرى، بأن وتيرة الأحداث العربية تعطي مؤشرات إيجابية أكثر منها سلبية، وتعطي شيئا من الأمل، وليس الإحباط، لأبناء هذه المنطقة . . على أقل تقدير لهذه الساعات من الزمن .


كلمات دالة: