جددوا مصطلحاتكم...المؤامرة تسمى إستراتيجية

رغم ثورة تكنولوجيا الإتصالات والمواصلات، إلا إن منطقتنا العربية تعاني (ضمن مختلف صور معاناتها) من قصور شديد في تواصل المثقفين معاً، سواء في اجتماعات رسمية أو اجتماعية (غير رسمية)، سواء محلياً (في كل قطر عربي) أو إقليمياً (على امتداد الوطن العربي)، مما يشكل عائقاً في تبادل الأفكار والآراء وتحديثها، و معوقاً للعملية الثقافية بشكل عام. أما مظاهر ذلك القصور في التواصل فأنها تبدو واضحة فيما نقرأ من مقالات يومية في صحافتنا المحلية والعربية، حيث يضطر الكُتّاب والصحفيون للتواصل والنقاش على صفحات الجرائد، في أعمدتهم ومقالاتهم، رغم ما يتضمنه هذا الإسلوب من عوامل بطئ وتأخر في التحديث الثقافي، وعوامل ضعف في التواصل الفكري حول الأحداث المتسارعة، ورغم كونه عاملاً أساسياً في عدم خلق أو بلورة قاعدة أساسية للثقافة العربية القادرة على مواجهة الأحداث العالمية، ومواجهة ذلك الغزو الثقافي الذي لا زال بعض من (المتثاقفين العرب) ينكر وجوده في دولنا العربية الضعيفة والمشتتة على مختلف الأصعدة، بينما دول عظمى مثل فرنسا وألمانيا واليابان والهند... تسلك كل السبل لمواجهته.


هذا ما يدور في خاطري كلما قرأت مقالاً لأحد كُتّابنا، فيه مواجهة لآراء كُتّاب آخرين، غالباً ما يكونون من نفس الصحيفة... وكلما قرأت لكُتّابنا العرب وكأنهم يتكلمون من خارج هذا الواقع العربي... مما يدعو للتنبه لأهمية خلق قنوات للتواصل بين الكُتّاب والمثقفين، من خلال تجمعات ثقافية وحوارية، على أرض الواقع، للتمكن من استغلال تلك المساحات الكتابية لأداء دورها الأساسي في رفع وعي المجتمع، وفضح الممارسات اللاوطنية التي تدفع بنا إلى المزيد من التخلف، والناتجة إما عن تدني ثقافي وإما عن إختراقات ثقافية هدفها تحقيق أطماع خارجية، مستغلين عامل تدني ثقافة المجتمع أحسن إستغلال.
في العالم المتقدم (مثلاً)، وهو ليس عالمنا حتى الآن، هناك إهتمام بالغ بنشر ثقافات جديدة، في المجتمع (بين الحين والآخر)، لتسهيل وتمكين أصحاب القرار من تفعيل سياساتهم الخارجية، السرية والعلنية، من دون عوائق، وأهم السبل المتبعة لتحقيق هذا الهدف هو تسريب المصطلحات الجديدة كمفاتيح لتلك الثقافة الجديدة من خلال الكُتًاب والصحفيين ليقوموا بباقي المهمة، ويتم كل ذلك بإسلوب مؤسساتي متقن وواضح للأطراف الفاعلة... وحيث إن المفاهيم أو السياسات أو الإستراتيجيات نادراً ما تتغيّر لدى صانعي القرار هناك ، فإن كثيراً ما يهتم الساسة بالإيحاء بتغيير تلك السياسات القديمة عن طريق تغيير المصطلحات أو المسميات القديمة بأخرى حديثة، بواسطة الكتاب والصحفيين.
وهذا ما حدث بالضبط مع إنتهاء الحرب الباردة، وعندما انتهى دور المعسكر الشيوعي في مساندة حركات التحرر في العالم، فما كان على المعسكر الغربي إلا أن يخلق ثقافة جديدة ومصطلحات جديدة، توحي بمفاهيم واقعٍ جديد، تمكنها من ضرب الحركات الجديدة التي حلت محل تلك الحركات التحررية، القديمة، في معارضتها للهيمنة الإستعمارية بأشكالها الجديدة... فكان مصطلح الإرهاب هو الأعم والأشمل ليحل محل مصطلح الشيوعية والوطنية والقومية، ومصطلح الإرهابي ليحل محل الشيوعي والوطني والقومي... بينما سياسات الهيمنة والإستعمار والإحتلال لم تتبدّل ولم يتغير مضمونها... وهكذا يمكن نسخ هذا المثال على قضايا أخرى كثيرة.
ما يجدر قوله هنا، إننا بصدد عالم سريع الحركة والتغيير... والأحداث تجري أمامنا، باقصى سرعة، بينما نحن غير قادرين على تجديد مصطلحاتنا، فنردد ترديداً (ببغائياً) كل ما يرد إلينا من مصطلحات يراد لها الإنتشار لضرب مصالحنا، دون أن يتمكّن مثقفينا من التلاقي والتواصل لخلق مرادفاتنا الجديدة التي تعبّر عن واقعنا الحقيقي وعن مصالحنا وعن ثوابتنا... وهكذا يقوم كتابنا وصحفيينا ومثقفينا بمهمة الغزو الإعلامي عوضاً عن التصدي له، فكانوا أكثر إصراراً على إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام ومقاومة المحتل، وتهمة الإرهابي بالعربي والمقاوم للمحتل... بدعوى إن الحداثة تلزمنا بمجاراة تلك الحضارة الغربية المتقدّمة علينا... وأن لا نبقى متخلفين نردد شعاراتنا القديمة التي لم تعد نافعة في هذا الزمن العولمي...
فهل من وقفة مصارحة ومحاسبة للنفس في ما نحن فاعلون بأنفسنا وبأمتنا؟؟...</p


كلمات دالة: