إفعـــلوها بالله عليـــكم...

ماذا يحدث لو إن زعيم أكبر بلد عربي إتخذ موقفاً ضد الكيان الإسرائيلي وقطع علاقاته الدبلوماسية به جراء ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني؟ وجرّاء تمادي حكومة شارون بعمليات الإغتيال الممنهجة ضد الفلسطينين وضد مواقفه المتصلبة رغم كل التنازلات التي قُدّمَت إليه؟!!
ماذا يحدث لو إن هذا الزعيم العربي احتجّ ضد السياسات الأمريكية بالمنطقة لهذا الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني، وطالبها، ضمن المصالح المشتركة، أن تكف عن هذا الدعم والإنحياز الكامل لشارون والآخرين، وإلا ...؟!!
ماذا يحدث لو إن هذا الزعيم العربي انتصر لقضية الشعب العراقي وطالب الأمريكان أن تخرج من العراق، بدون أي قيد أو شرط، وبنفس الإصرار الذي طالب به صدام حسين أن يخرج من الكويت، ويرفض أن يعقد في بلده المؤتمرات التي ستعزز من دور المحتل والإحتلال في العراق؟!!!
ماذا سيحدث لو فعل زعيمنا العربي كل هذا؟


لو حدث هذا، لإستطعنا أن نزعم إن الزعيم جمال عبد الناصر عاد للحياة من جديد... لأن هذه الأمة العربية التي لطالما احتَجّتْ على السياسات العربية، واعتبرت الأنظمة العربية موالية للسياسات الأمريكية، وإن الجامعة العربية انتهت وسلّمَت للأمريكان مفاتيحها، هذه الأمة سوف تخرج حينها إلى الشارع، وتلتف حول هذا الزعيم، وترص صفوفها جنباً إلى جنب زعيمها القومي والتاريخي، وتعود عندها حالة النهوض في العالم العربي، من المحيط إلى الخليج.
وماذا يحدث لو إن بقية الزعماء العرب ساروا على ذات النهج وذات الموقف؟... وماذا تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل في حالة كهذه؟
للرد على هذا السؤال نستذكر حواراً تواجه فيه عربي مع أمريكي ليسأله "لماذا انتم تقفون بجانب الصهيونية وإسرائيل وتخسرون كامل الأمة العربية بثرواتها ومواردها الطائلة والمتنوعة؟ يمكنكم أن تكسبوا منها أضعاف ما تحققونه من علاقاتكم مع إسرائيل؟... فهذه الأمة تكره من يقف مع إسرائيل، وتَحْتَج ضد كل مؤيّد لهذا الكيان، وفي هذه الحالة سوف تخسرون كل مصالحكم التي يمكن أن تكسبوها من العرب؟ الا تخشون أن تتخذ الأمة العربية موقفاً معادياً لكم؟"...أجابه الأمريكي قائلاً "ومن قال لك إذا احتجّت هذه الأمة سنستمر في دعمنا اللامحدود لإسرائيل... بل عندها سنضع مصلحة الأمن القومي الأمريكي قبل مصلحة إسرائيل". وإذا افترضنا إن مثل هذا الرأي لهذا الأمريكي غير صحيح، يمكننا أن ندع الأمور تسير في مسارها الطبيعي ونتساءل، ماذا بإمكان الولايات المتحدة أن تفعل ضد هذا الموقف العربي النهضوي الجديد الذي إفترضناه؟ هل بإمكانها معاقبة العرب بإحتلال بلدانهم؟... بالتأكيد إن هذا الموقف غير ممكن الحدوث في أحسن الظروف، فكيف والحال مع تلك الجبهات الأمركية المفتوحة في إفغانستان والعراق وغيرها...
والسؤال الآخر، هل بإمكان أمريكا أن تذهب إلى مجلس الأمن وتنتزع القرارات بحصار هذه الأمة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً؟... وإذا استطاعت أن تنتزع هذا القرار، أليس بإمكان هذه الأمة أن تحاصر الولايات المتحدة بقطع النفط عنها؟... وهل يمكن للحياة أن تستمر في الولايات المتحدة دون النفط؟، كما تستطيع الأمة العربية أن تحيا بدون المنتجات الأمريكية، بكل ما تملكه هذه الأمة من تكامل وتنوع في مواردها البشرية والعلمية والطبيعية والاقتصادية والصناعية والزراعية؟
سيقول البعض وكيف نأتي بهذا الموقف العربي الموحد؟!!... ويتناسى هؤلاء إن كل إنسان أو حيوان تتعرض مصالحه للخطر يتحول بطبيعته إلى حالة المواجهة والدفاع عنها بكل قواه وامكانياته، بل حتى النملة تدافع عن ثقب الأرض... وهل هناك مِنْ أمة تعرضت مصالحها للخطر بقدر هذه الأمة؟... فمتى يا ترى تنهض هذه الأمة وتعيد تاريخها الناصع؟
وهنا نرجع لإستذكار موقف حواري آخر، كتب عنه "هاني الحسن"، مستشار الرئيس ياسر عرفات... في ذكريات زيارته إلى فيتنام الشمالية التي تزامنت مع اليوم السادس لإجتياح القوات الإسرائيلية إلى لبنان، ولقاؤه بوزير الدفاع الفيتنامي السيد "جياب"، وهو مهندس الإنتصار الفيتنامي التاريخي على الولايات المتحدة في معركة "ديان بيان فو" في عام 1954... وإذ بهذا البطل الفيتنامي القصير القامة، ومدرس التاريخ لطلاب الثانوية، يتوجه بالكلام إلى ضيفه قائلاً: "لقد درست تاريخ الأمة العربية بعناية ودقة بالغتين، فوجدتها أمة حكمت العالم وأعطت الحضارة لبلدان الغرب التي كانت تعيش العصور الوسطى، وأنجبت قادة عظام، ولعبت دوراً مهما ًفي تاريخ البشرية"، وأضاف بحسرة "لكني ما أره اليوم في هذه الأمة ليس له أية علاقة بماضيها وكأنها أمة أخرى، والمصيبة إني أرى في هذه الأمة كل مُمَكّنَات الإنتصار... فمتى تنهضون؟"
وأنا أتساءل بدوري، هل نَسِيَت هذه الأمة تاريخها في وقت يتذكرها الآخرون؟... أليست أمة بدون ذاكرة هي أمة بدون مستقبل؟... أما آن لهذه الأمة ان تَتَذَكّر ماضيها وتنهض وتنزع ثياب الذل؟... ألا يحق لي كمواطنة عربية، وإكراماً لأبنائنا وأجيالنا القادمة، أن أحلم بيوم كهذا اليوم وأرى زعماؤنا ينتفضون لكرامتنا؟... فمتى تنهضون؟... إفعلـــوها بالله عليـــكم.


كلمات دالة: