نشرت صحيفة "المجد" الأردنية تقريراً عسكرياً مفصلاً ومعقداً، أرسل لها بواسطة أحد الأطراف العسكرية العراقية الرسمية، يكشف حقيقة ما جرى في معركة مطار صدام الدولي، قبل ذلك الانسحاب المفاجئ لكافة القوات والقيادة العراقية من ساحة الحرب النظامية مع العدو الأنجلو-أمريكي، في التاسع من أبريل 2003، بما مهد السبيل لسقوط بغداد السريع والمفاجئ.

هل فعلاً يجب أن يكون الصحفي حيادياً ومتجرداً من كل شيء في نقله وتحليله للأخبار؟ وهل التجرد من المشاعر الإنسانية، والحيادية في القضايا الوطنية والقومية تعدان من الخصائص السلبية أم الإيجابية؟ وهل يمكن أن يكون الإنسان بطبيعته البشرية متجرداً من المشاعر الإنسانية، وحيادياً في أهم القضايا التي تمسه وتمس أمن عائلته وأمن وطنه وأبناء قومه؟ وهل فعلاً هناك أمم من حولنا يتميّز صحفييها بالتجرد والحيادية؟... ويا ترى هل سبق أن طرحت هذه القضية للمناقشة والحوار بكل أبعادها الوطنية والإنسانية والتاريخية والمعرفية، في الوسط الإعلامي البحريني؟ أم إننا حتى في هذا المجال الثقافي علينا أن نعتمد على اجتهادات وفتاوى الأقدمين من الصحفيين، ليس لغزارة علومهم ومعرفتهم أو لتحصيلهم العلمي، بل فقط لأقدميتهم، حتى لو كانت الأقدمية وسنوات العمل هذه لم تحقق أية نجاحات تذكر، لا على صعيد العمل الوطني ولا على صعيد العملية الإعلامية، سواء على مستوى المؤسسات الإعلامية الخاصة، أو العامة أو على مستوى ثقافة المجتمع البحريني خصوصاً، أو العربي عموماً.

من مجمل ما ذُكِرَ عن زيارات (القادة الجدد) في العراق إلى الرئيس العراقي الأسير صدام حسين في سجنه الأمريكي، والعهدة على الراوي الأمريكي (الصدوق)، إن موفق الربيعي (مستشار الأمن القومي العراقي لقوات الإحتلال، واسمه الحقيقي كريم شاهبور) سأل الرئيس الأسير "لماذا قتلت الصدر" (وهو يقصد والد السيد مقتدى الصدر)... أما الإجابة فلم نعرفها بالطبع لأن الإعلام لم ينشرها (حفاظاً على مبدأ الاعلام الحر)... واليوم نسأل موفق الربيعي وجميع أولئك العراقيون الذين أتوا بالمحتل أو أتى بهم المحتل لاحتلال العراق، نسألهم "لماذا تقتلون الصدر والشيعة العرب من أبناء العراق"...
ومن جهة أخرى، وبعد أن اعترف توني بلير إن قصة المقابر الجماعية في الجنوب العراقي كانت أخبار غير صحيحة (كذبة)، وما ذُكِرَ عن أعداد القتلى التي وصفت بمئات الألوف في هذه المقابر كانت أيضاً غير حقيقية (كذبة)، إذ من المفهوم إن تلك الأكاذيب خلقت بهدف تغطية كذبتهم الأولى الخاصة بأسلحة الدمار الشامل في العراق... بعد هذه الاعترافات، نتساءل: من الذي سوف يوثق تاريخ المقابر الجماعية الجديدة التي يحفرها المحتل الأمريكي وعملائه في العراق ومن سوف يوثق أعداد القتلى في هذه المقابر... وخصوصاً بعد أن بدأ الجنوب العراقي، انتفاضته ضد الاحتلال الأنجلوأمريكي وعملائه، بقيادة "سيد الكوفة" مقتدى الصدر...

هي قضية احتلال ولا شيء غير ذلك، أما من يريد تحوير صفة هذا المحتل وهذا الاحتلال إلى أي معنى آخر فإنه بكل تأكيد يملك من الأسباب الذاتية ما لا تعني العراق بشيء، أو يملك من الصفاقة السياسية ما لا يجعل لرأيه أي قيمة أو وزن... ولأنه احتلال يحرسه 160 ألف عسكري ومئات الألوف من العتاد والآليات العسكرية، ولأن المحتل مستمر في تدمير العراق والعراقيين، ولأن المحتل لا يريد للعراق أدنى مستويات السيادة التي تمكنه من امتلاك قراره السياسي والاقتصادي والعلمي والتعليمي والأمني، إضافة إلى قائمة طويلة من الأسباب الوطنية والقانونية والحقوقية الأخرى، ولنقطع الطريق على المزايدين والمنظرين كل حسب أهوائه ومصالحه الخاصة... لهذا كله نتساءل، هل تم احتلال أي دولة في العالم بالغزو وبالقوة وتم تحريرها بالحوار والوسائل السلمية؟... ونجيب، هذا ما لم يحدث عبر التاريخ... وإنما قد تكون هناك احتلالات تم دحضها بالحوار السلمي نتيجة للمقاومة المسلحة، أي بعد أن نجحت المقاومة في إيصال رسالتها كاملة في كسر إرادة المحتل وتوجيهه نحو طلب الحوار والمفاوضات من أجل التحرير... وإذا كانت هناك حالة تحرير واحدة على مدار التاريخ تمت عبر الحوار فهي استثناء للقاعدة، وكما يؤكد العلم، فالاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها.
ومع إن هذه الحقيقة عنيدة وأثبت التاريخ صحتها، إلا إنه لا يزال المحتل يصر على إن قدومه إلى هذه البلدان لا يعد احتلالاً وإنما بدعوى التحرير أو بدعوى نقل حضارته أو منظومته الثقافية والسياسية التي يرى إن هذه البلدان بحاجة لان ترتقي إليها، لتخفي بذلك الأهداف الحقيقية للاحتلال، التي هي الغزو ونهب الثروات وتحقيق مصالح خاصة به... لذلك ولكي يكسب مشروع الاحتلال مصداقية، يلجأ المحتل لأدوات محلية من أشخاص ومؤسسات وتابعين ومريدين لتزيين وجه هذا الاحتلال البشع، ومن ثم يتم تكريسه لفترة أطول ...