المقابر الجماعية وحرب النجف الأشرف...

من مجمل ما ذُكِرَ عن زيارات (القادة الجدد) في العراق إلى الرئيس العراقي الأسير صدام حسين في سجنه الأمريكي، والعهدة على الراوي الأمريكي (الصدوق)، إن موفق الربيعي (مستشار الأمن القومي العراقي لقوات الإحتلال، واسمه الحقيقي كريم شاهبور) سأل الرئيس الأسير "لماذا قتلت الصدر" (وهو يقصد والد السيد مقتدى الصدر)... أما الإجابة فلم نعرفها بالطبع لأن الإعلام لم ينشرها (حفاظاً على مبدأ الاعلام الحر)... واليوم نسأل موفق الربيعي وجميع أولئك العراقيون الذين أتوا بالمحتل أو أتى بهم المحتل لاحتلال العراق، نسألهم "لماذا تقتلون الصدر والشيعة العرب من أبناء العراق"...
ومن جهة أخرى، وبعد أن اعترف توني بلير إن قصة المقابر الجماعية في الجنوب العراقي كانت أخبار غير صحيحة (كذبة)، وما ذُكِرَ عن أعداد القتلى التي وصفت بمئات الألوف في هذه المقابر كانت أيضاً غير حقيقية (كذبة)، إذ من المفهوم إن تلك الأكاذيب خلقت بهدف تغطية كذبتهم الأولى الخاصة بأسلحة الدمار الشامل في العراق... بعد هذه الاعترافات، نتساءل: من الذي سوف يوثق تاريخ المقابر الجماعية الجديدة التي يحفرها المحتل الأمريكي وعملائه في العراق ومن سوف يوثق أعداد القتلى في هذه المقابر... وخصوصاً بعد أن بدأ الجنوب العراقي، انتفاضته ضد الاحتلال الأنجلوأمريكي وعملائه، بقيادة "سيد الكوفة" مقتدى الصدر...

نعم، بدأت أنتفاضة جنوب العراق، انتفض الشيعة والسنة أبناء الجنوب العراقي كما انتفض عام 1991 لمواجهة الألوف المؤلفة من قوات بدر والتوابون الذين دخلوا عليهم من الحدود الإيرانية في عتمة ليالي القصف والغارات الأمريكية التي كانت تدك العراق دكاً على مدار أثنين وأربعين يوماً في تلك الحرب المشؤومة، دون أن ينجدهم أو يرحمهم أشقائهم وجيرانهم... وإن كان هناك بعض المقابر الجماعية وبعض الألوف من الجثث في ذلك الجنوب العراقي اليوم، فإن أبناء العراق يعرفون لمن هي هذه المقابر وهذه الجثث، وهم الشهود على تلك المذابح التي قامت بها تلك القوى المكتسية بالسواد حتى عصبة الرأس، تلك القوى التي تسللت إلى مدنهم من منافذ جنوب العراق في الليالي الظلماء بعد أن قصفت الغارات كافة مولدات الكهرباء... تسللوا ونظموا أنفسهم سراً، وعاثوا في الجنوب قتلاً وتدميراً فوق كل ما قام به العدو الأمريكي من قصف وتدمير... أولئك من قتلوا الرجال أمام أبنائهم واغتصبوا النساء أما أزواجهم، وقتلوا عوائل بأكملها ورموا بالجثث على قارعة الطريق ورفعوا الرؤوس المقطوعة على أسنة السيوف والرماح وهم يتحركون كالأشباح من حي إلى حي ومن شارع إلى شارع لإثارة الرعب والخوف في قلوب العراقيين...
قد يتعجب القارئ من هذا الوصف المريع وقد يستنكر هذه المعلومات، إلا إن ما ذكر هنا ما هو إلا جزء من الحقيقة التي حصلت في تلك الواقعة المعروفة بالغوغاء في عام 1991 في أثناء الحرب على العراق وبعده مباشرة، ولأن هذه القوى منيت بالهزيمة، قاموا بالتعتيم الإعلامي الكامل على وقائعها، لا بل زوروا الكثير من الحقائق في مجمل ذلك الهجوم الإعلامي المنظم والمباشر والظالم على العراق... أما كيف انتهى هذا الغوغاء وهذه المذابح، فمن المعروف إن أبناء الجنوب الشيعة والسنة، وبعد أن رأوا من الأهوال الشيء الكثير على أيدي تلك القوات، وقفوا وقفة رجل واحد مستعينين بالقيادة العراقية، بعد انتهاء الغارات، للقضاء على هذا الإجرام الذي كاد أن يقصم ظهر العراق بطعنة غدر من الخلف، بعد أن لم تتمكن القوات الأمريكية وحلفائها من هزيمة العراقيين وإضعاف عزيمتهم...
هذا مشهد تفصيلي تناقلها العشرات من شهود العيان في نفس العام، وتم توثيقها في الذاكرة لشدة هولها وقبحها، ولكن الحقائق لا يمكن أن تخفى طويلاً مهما حاولت قوى الظلم أن تحرّف وتشوه في التاريخ.
وهذه الحقائق تكشف لنا ما يدور اليوم في النجف والكوفة وكافة الجنوب العراقي، فهناك مواجهة وحرب لا علاقة لها بالتقسيمات الطائفية التي حاول الإحتلال وأعوانه أن يغرسوه في المجتمع العراقي، وإنما هناك أبناء وطن واحد يدافعون عن حقهم المشروع في طرد المحتل، فلا يختلف في هذا الحق وهذا النضال "سيد الكوفة" وجيشه الباسل عن أبناء الفلوجة ومدن العراق الأخرى...