أضواء على مبادرة وزير الخارجية البحريني..

معالي وزير خارجية مملكتنا الحبيبة: لابد أنكم تعلمون أن مبادرتكم، حول إنشاء منظمة إقليمية تجمع العرب مع تركيا وإيران وإسرائيل، ستواجه برفض شعبي عربي قاطع.. ولطالما لم يكن للرأي الشعبي العربي (الذي لم يتمكن من تكوين رأي عام ضاغط) أي اعتبار لدى الانظمة العربية عند صناعة أي قرار مصيري أو أدنى.. وبالجانب الآخر، لطالما كانت هذه القرارات ليست في صالح شعوب المنطقة ولا مستقبلها، ولا حتى أنظمتها.. ولربما الواقع المتوتر، الذي تعيشه دولنا العربية، منذ سقوط جدار برلين، يعد مؤشراً على صحة ما نقول، وخصوصاً إن المنطقة باتت تعيش تحت هاجس التهديد المباشر من أكثر من عدو، ولم تعد شعوبنا وأنظمتنا تميّز بين الحليف والعدو في ظل سياسات دولية وإقليمية قائمة على قاعدة عريضة من الخدع والأكاذيب، وصورة قاتمة للتحالفات الخفية، وخوف مشروع من الأجندات والمشاريع الاستعمارية المتنافسة والمتصارعة.. ولكن رغم ذلك نرجو أن تقرأوا رأينا وأنتم تتابعون خطوات مسيرة مبادرتكم ونتائجها المستقبلية.. لربما..!!..
معالي الوزير.. يبدو جلياً إن مبادرتكم قد تبلورت من خلال قناعات سياسية آنية قائمة على تداعيات احتلال العراق وما نتج عنه من خلل في موازين القوى الإقليمية.. ومن خلال منظور ثقافي ذو بعد واحد، هو من مخرجات ثقافة مابعد الحرب الباردة المحدودة برؤيتها للواقع من زاوية واحدة، واعتبار الزوايا الأخرى، أو الرأي الآخر، من مخلفات الماضي الذي لم يعد مناسباً لهذا العصر الأمريكي بامتياز.. وأرجو أن تتفقوا معنا على أن هذا الواقع السياسي والثقافي الذي نعيشه ونمارسه هو صناعة خارجية، وليست من صناعتنا.. فأولئك يصنعون الأحداث، ونحن نصنع لها الشرعية بقرارات غير استراتيجية.. بمعنى إن كل قرار تصنعه القيادات العربية، لا تعرف ما الذي سيأتي بعده.. هل القادم إيجابي أم سلبي..


وهنا نرى ضرورة للرجوع إلى الخلف قليلاً والتذكير ببعض القرارات العربية الخاطئة التي أوصلت المنطقة إلى ما هي عليه اليوم..
إن غزو واحتلال العراق، الذي نعيش تداعياته الخطيرة اليوم، هو أحد نتائج القرار العربي الرسمي بالتخلص من النظام العراقي، الذي تصورت القيادات العربية إنه السبيل الوحيد لحل الأزمات العربية العربية، التي وصلت ذروتها في حادثة غزو العراق للكويت (ولكي لا تتهمونا بالانحياز أو ضيق الآفاق الفكرية، نقر لكم هنا بأن قرار الغزو كان خاطئاً رغم كل المبررات الشرعية التي كانت تتراكم حينها بإسلوب متعمد للوصول إلى حالة المواجهة بين البلدين الشقيقين). وهنا يجب أن نتذكر بأن القرار العربي هذا هو أحد تداعيات القرار السابق له، وهو قرار السماح للأساطيل الأمريكية باحتلال الخليج في أغسطس 1990، بدعوى الاستعانة بها لتحرير الكويت.. وأرجو أن لا تقل بأنه كان الحل الوحيد للمشكلة العراقية الكويتية.. لأننا بإختصار شديد، وبعد مرور ما يقرب العقدين من الزمن على تلك الأحداث، بات أكيداً أن ذلك القرار كان بإملاء أمريكي، ولم يستفد منه أي طرف عربي إلى يومنا هذا، حتى الكويت.. بل فََقَدَ العرب بعد ذلك التاريخ قدرتهم على مواجهة الفوضى التي نشأت في المنطقة، سواء على المستوى الداخلي، في علاقات الأنظمة بشعوبها، أو على المستوى الخارجي، في تداعيات انتهاء الحرب الباردة وبدء تشكيل نظام عالمي جديد لازلنا غير واثقين من موقعنا فيه..
سيدي.. متى سيعترف النظام العربي الرسمي بأنه لم يفلح في صناعة قرارات تعزز تضامن وأمن دول المنطقة، وتراعي مصالح شعوبها.. وإن القرار العربي الرسمي لم يكن يوماً من الأيام مستقلاً (منذ بدايات العصر الاستعماري)، أو مراعياً للظروف الجيوسياسية، والتاريخية، والاقتصادية، التي تتميّز بها المنطقة إجمالاً.. وإن القرار العربي الرسمي عشوائي، لم يكن يوماً ذو بعد استراتيجي ومعرفة بتاريخ المنطقة واهتمام بمستقبلها، القريب والبعيد.. وإن القرار العربي الرسمي يصدر دون تحديد لآلياته أو ضمان نتائجه..
معالي الوزير.. هناك أمور تاريخية وجغرافية لا يمكن تجاهلها في صناعة أي قرار أو مبادرة عربية مصيرية كالتي أعلنتم عنها.. وفي هذا نرجع للتذكير بأن نقطة الضعف الرئيسية في المنطقة اليوم هي الجبهة العراقية.. هناك حيث تتحدد موازين القوى في صراعات المنطقة على مدار التاريخ.. وهناك على الحدود الشرقية للأمة العربية تتشكل نقطة ارتكاز تقدّم الأمة أو تخلفها.. قوتها أو ضعفها. إن ظروف تاريخية وقومية ودينية وعقائدية تراكمت منذ التاريخ قبل الميلادي، وقبل الإسلامي، جعلت تلك الحدود الثغر الأضعف والمنفذ الأمثل لكل الغزوات والاحتلالات الهمجية التي عانت منها المنطقة العربية على مدار التاريخ وأدت إلى تخلفها الحضاري، في ظل نظام ضعيف يحكم العراق.. وعلى تلك الحدود يتقرر استقرار المنطقة وإزدهارها الحضاري عندما يحكم العراق نظام قوي يهابه الجيران.. فأي حلف هذا الذي ستشترك فيه أمتنا وعلى ماذا ستتفاوض في ظل هذا الضعف والانهيار التام في موازين القوى على حدودها الشرقية؟!!.. وهل تتوقعون من تركيا أو إيران أو إسرائيل أن تتفق على حماية المنطقة من الصراعات التي نضجت وأينعت وحان وقت قطاف ثمارها!!؟..
لقد تمكّن العراقيون، رغم دمار دولتهم، ومرارة الحياة التي يعيشونها منذ ما يقرب من ست سنوات، تمكنوا من الاستمرار في التصدي لأعتى قوة على وجه الأرض، حتى اعترفت جميع الأطراف الإقليمية والدولية بانهيار وفشل المشروع الأمريكي في العراق والمنطقة، إلا أن الإعلام العربي يتحاشى أن يعلن عن دور المقاومة العراقية في هزيمة وانهيار هذه القوة العسكرية والجبروت الاقتصادي الذي يتهاوى أمامنا اليوم.. ولكن، لإن "الشمس لا تحجبها الغربال"، ولأن المقاومة العراقية تتصاعد بمقدار أهميتها وضرورتها لحماية شعبها وأرضها، فإنها عاجلاً أم آجلاً ستهب فوق سطح الأرض كأمر واقع ورد فعل طبيعي في مقابل ضراوة الظلم الواقع على هذا البلد العربي العريق.. وأرجو أن لا تعتبر كلامنا هذا حماساً وطنياً وقومياً دون مضمون، لأنه مبني على ما يرد في التقارير الأمريكية، وما يرد من أخبار الداخل العراقي مباشرة.. كما هو مبني على وقائع تاريخ الاحتلالات على مدار الزمن.. لهذا كله، نرى من الأجدى لو تتبنى الأمة مبادرة الاعتراف بالمقاومة العراقية والتعامل معها لصالح بناء قوة عربية، عوضاً من إضفاء الشرعية على وجود المحتلين على أرضنا، بمبادرات ستعمل على توسيع الفجوة بين الأنظمة وشعوبها وإثارة المزيد من الإضطراب في الشارع العربي، في مقابل مزايدات الدول الجارة بتبني قضية فلسطين..
وأخيراً معالي الوزير، نتساءل، إن كنتم متفائلون بنجاح مبادرتكم في حل مشاكل المنطقة، وإن كانت هذه المبادرة قائمة على "دراسة جدوى" استراتيجية تشمل ضمانات نجاح هذا الحلف الجديد في تحقيق مصالحنا، وتشمل آلياتكم المعتمدة في تحقيق هذا النجاح.. فلماذا لا تبادرون بالإعلان عما في جعبتكم ليطمئن شعبكم العربي على مستقبله، ويشعر هذا الشعب بأنكم تحترمون عقله وقناعاته؟؟.. أليس هذا الشعب هو الآلية الأولى المعتمدة لضمان نجاح أي مبادرة تطبيعية مع أي عدو؟؟!!.. ويمكن معاليكم الاستدلال على الجواب مما وصل له حال التطبيع مع العدو الإسرائيلي في مصر العربية..


كلمات دالة: