معصومة الكعبي . . في انتظار المعتصم بالله

في إحدى ليالي العشر الأواخر من رمضان اتصل بي زوجها "أبو إياد الأحوازي"، اللاجئ السياسي في إحدى الدول الأوروبية، يستصرخ ألماً، وهو يطلب مني أن اقوم بأي عمل لإنقاذها، بعد أن ألقت السلطات السورية القبض عليها أثناء توجهها إلى مطار دمشق برفقة أطفالها الخمسة، لتستقل الطائرة إلى لقاء والدهم، وهو الهارب من بلاده بعد أن ذاق مرارة السجن والتعذيب، وأقفلت أمامه كل سبل العيش في بلاده . . الأحواز . .
قال بحرقة "منذ هروبي من بلادي، من الأحواز، بعد انتفاضة أبريل 2005، واللجوء إلى هذا البلد الأوروبي، تعرضَت زوجتي وابني، الذي لم يبلغ سن المراهقة بعد، للسجن والتحقيق في السجون الإيرانية عدة مرات، وبعد أن حصلتُ لها على حق اللجوء السياسي إلى حيث أعيش، هربَت مع أطفالها، في مايو 2008، بأوراق مزورة، ووصلت إلى الأراضي السورية معتبرة نفسها امرأة عربية دخيلة على أبناء عمومتها العرب وفي حمايتهم حتى تنهي إجراءات سفرها لدى المفوضية السامية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لتلتحق بزوجها . .

ولكن لم تكتمل العملية، فقبل وصولهم إلى المطار، اقتيدت زوجتي إلى السجون السورية، ولجأ الأطفال إلى شقة موحشة يعيشون فيها وحدهم بانتظار رجوع والدتهم . . " . . كان رجاؤه الوحيد التدخل لعدم تسليم زوجته إلى السلطات الإيرانية، حيث سينتهي أمرها وتُكتب نهايتها هناك.
حاولنا ولم نوفق في معرفة مصير هذه المرأة العربية منذ ذلك اليوم، حتى جاء الاتصال الأخير من أبوإياد، ثالث أيام عيد الفطر، ليزف لي خبر الفاجعة "لقد سلّم السوريون أختهم العربية، معصومة الكعبي مع أطفالها الخمسة، إلى السلطات الإيرانية منذ ثلاثة أيام . . وقد زارتهم جدتهم في السجن (الإيراني)، حيث التقت بالأطفال لكنها لم تر معصومة الكعبي، وتم إبلاغ الجدة المسكينة بعدم محاولة السؤال عنها، وقالوا لها (انسوا أمرها)" . . سألته، وماذا يعني ذلك؟ . . "يعني أنها إما ماتت أثناء التعذيب وإما ستبقى هناك حتى تموت . . واعلمي إنها ليست المرة الأولى التي تقوم سوريا بتسليم اللاجئين السياسيين الأحوازيين إلى دولة الاحتلال الإيراني، بل سلمت خمسة من المناضلين الأحوازيين في عام 2006 وسلمت المناضل سعيد حمادي قبل عدة أشهر في هذا العام (2008)، حيث يتعرض كلهم لأشد أنواع التعذيب في السجون الإيرانية منذ ذلك اليوم".
ولكن أبو إياد لم يقبل أن ينهي مكالمته قبل أن يرمي بثقل همه الوطني والعربي أمامي متسائلاً "هل هذه شيمة العرب يا سيدتي؟ . . في أي عصر نحن نعيش؟ . . ألا تمثل هذه الجريمة ظاهرة جديدة على ثقافتنا العربية؟ . . فلم يسبق أن ذكر التاريخ أن العرب سلّموا امرأة دخيلة لديهم لأعدائها، ومن أي جنسية كانت، فما بالك إذا كانت هذه المرأة عربية! ! . . أليس ما يحدث في عصرنا الرديء هذا هو خروج لاأخلاقي عن العرف والقيم العربية التي تحترم الدخيل وتسند المحتاج وتحافظ على المطارد؟ ! ! .
أسئلة صعبة، لا أملك رداً عليها . . بل أشاركه السؤال، وأتساءل: باتري لماذا هذا التعتيم الإعلامي على قضية شعب بأكمله يعيش في ظل الاحتلال والاضطهاد منذ أكثر من ثمانين عاماً؟!!، ولماذا لا تبالي منظمات حقوق الإنسان، التي ما برحت تعبث بأمن بلداننا بادعاءاتها الكاذبة، بقضية الشعب العربي في الأحواز؟!!..
إن قضية هذه السيدة العربية ومعاناتها ليست بحالة فردية في الأحواز المحتلة، فما يلاقيه العرب هناك يندرج تحت كل أصناف الاضطهاد العرقي والمذابح الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان، فلماذا لا تلتفت المنظمات الحقوقية إلى تلك الجرائم التي تعمى الأبصار لشدة وضوحها؟.. أين هذه المنظمات من قضية معصومة الكعبي وأطفالها؟؟.. بل أين المعتصم بالله لينقذك من الذل والموت يا سيدتي المناضلة؟؟؟.


كلمات دالة: