بإسم المدنية والتحضّر، وبقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبمفاهيم الحضارة الغربية الاستعمارية المتوحشة، وشعارات العصر الجوفاء، يمارس الغرب كل سياساته القذرة ضد الأمة العربية، وتمارس الإدارتين الأمريكية والبريطانية متعة قتل البشر وإذابة لحومهم بأسلحته الفتاكة، وإشاعة الفوضى والدمار الكامل في حرب الإبادة الجماعية ضد العرب في العراق، وتطلقان يد الصهيونية، صنيعة الحضارة الغربية الدموية والوحشية، لتقتل الأطفال والأبرياء في لبنان، في حروب وحشية لا سبب لها سوى الجشع المادي المطلق واللانهائي، وإشباع النفوس المريضة والمجرمة واللاإنسانية التي يعيشها هذا الغرب مع مبادئ الليبرالية الغربية، (ما هو نافع بالنسبة لي فهو "الخير"، وما هو ضار بالنسبة لي فهو "الشر")، وقيم ليبراليتهم التي تؤكد إنهم وحدهم يستحقون "تحقيق أكبر قدر من المنفعة، مقابل أقل قدر من الألم"، أما الآخرون فإنهم يستحقون العكس تماماً.. الآخرون يستحقون "أقل قدر من المنفعة، مقابل أكبر قدر من الألم".. ومادام هذا الغرب هو الطرف الأقوى القادر على تسخير كل الشرور والرذائل والخبائث السياسية في خدمة إبقاء سيطرته على ثروات العالم، سيبقى البشر والأمم الأخرى، في منظورهم عبارة عن كيانات بشرية متخلفة، ضعيفة، تابعة، ومسخّرة كالعبيد في خدمة أسيادها الغربيين..

صديقتي العراقية، أرملة شابة، تعيش في بغداد مع عائلتها المكونة من إبن شاب وزوجته وطفلهما الرضيع، أبنه شابة خريجة جديدة ومخطوبة، ووالدتها المريضة. في الجانب الآخر هناك أخوها، أستاذ جامعي في مقتبل العمر، ويدير عائلته المتكونة من زوجة وابن وابنة في ربيع الشباب، وأخوها الآخر، طيار سابق. هذه العائلة الصغير لها فروع من الخالات والعمات والأخوال والأعمام، وعائلاتهم المتكونة من الأبناء والبنات والأحفاد، وامتدادات عشائرية في مختلف مناطق العراق.
تعيش صديقتي وأفراد عائلتها كل مآسي العراق لحظة بلحظة، وهي مآسي تشمل كل العراقيين والعرب الذين يعيشون في العراق، خارج حدود المنطقة الخضراء التي يوفر لها الاحتلال كل وسائل وأجهزة الأمن البشرية والإلكترونية، حتى أحاطها بأنواع من الأسوار الحصينة، بدءاً من الأسيجة الشائكة المكهربة، وانتهاءاً بالجدران الإسمنتية المسلّحة التي كلّفت الميزانية العراقية مئات الملايين من الدولارات... وما يهمنا هنا هو قصة العائلة الصغيرة التي تعتبر صديقتي نفسها مسؤولة عنهم، كأقارب الدرجة الأولى، والتي تقول مبتسمة بأنهم يدفعون شهرياً مبالغ كبيرة لتسديد فواتير هواتفهم التي تعمل طوال الليل والنهار للسؤال والاطمئنان على سلامة كل أفراد العائلة، "آخر الاتصالات تكون في الليل قبل النوم مباشرة ليطمئن كل واحد منا إن الجميع في بيوتهم، ولازالوا أحياء أو غير مصابين"... وتقول:

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 فرضت الإدارة الأمريكية على العالم تشريعات الوحوش الكاسرة التي اعتقدت أنها ستخدم مشروعها الإمبراطوري... تشريعات الحرب على الإرهاب لخدمة استراتيجيات "مشروع القرن الأمريكي الجديد"... تشريعات تكشف حقيقة الأمريكي القبيح الذي خرج من قمقم الحرب الباردة ليمتص دماء الشعوب... فجاءت هذه التشريعات ليسجل وصمة عار جديدة في تاريخ الإدارات الأمريكية بما لا يمكن أن تنساه البشرية على مدى "القرن الأمريكي الجديد" وقرون طويلة بعده. فإذا كانت الأجيال لا زالت تتداول حتى اليوم قصص الحرب القذرة التي شنتها الولايات المتحدة على الشعب الفيتنامي في النصف الثاني من القرن العشرين، أو قنابلها الذرية التي قضت على الحرث والنسل في المدينتين اليابانيتين في النصف الأول من القرن العشرين، أو الأدوار الوحشية التي مارستها جيوشها وأجهزتها الاستخباراتيه في كل قارات العالم على مدار تاريخها، ناهيك عن أدوار الأمريكيين الأوائل في اجتثاث شعوب وحضارات الهنود الحمر، ودورهم في اصطياد الأفارقة وبيعهم في سوق النخاسة الأمريكي لاستعبادهم وتسخيرهم كحيوانات ناطقة في خدمة الرجل الأبيض، فيا ترى ماذا سيكتب التاريخ عن السياسات الوحشية التي تمارسها الإدارة الأمريكية وهي في عهدة جورج بوش الصغير؟!... هذه الإدارة الأمريكية التي كتب عنها الصحفي الأمريكي سيمون هيرش في كتابه "القيادة الأمريكية العمياء، الطريق من 11 سبتمبر إلى سجن أبوغريب" (الدار العربية للعلوم، 2005)!!، ما سيحفر في ذاكرة التاريخ كأسوأ مثال لتسلّط القوة المفرطة على شعوب الأرض قاطبة.

في زيارته المفاجئة والسرية إلى العراق، قام الرئيس الأمريكي بزيارة الرئيس صدام حسين في المحكمة التي كانت تجري بها محاكمته. استقبل بوش الرئيس العراقي استقبال الرؤساء وقدّم له التحية المتعارف عليها في هذه اللقاءات، واستمرت الزيارة لمدة عشرين دقيقة تقريباً جرى خلالها حوار هام بين الرجلين.
طلب الرئيس الأمريكي من صدام حسين إنهاء المقاومة ضد القوات المحتلة في العراق، وجاء جواب الرئيس العراقي بالرفض، قائلاً بأنه لا يملك السلطة في استمرار وإنهاء المقاومة العراقية، وإن الشعب العراقي هو من يملك تلك السلطة، ولن يرمي هذا الشعب سلاحه وسوف تستمر هذه الحرب مادامت قوات الاحتلال على أرضه.