بوش يتوسل إلى صدام حسين

في زيارته المفاجئة والسرية إلى العراق، قام الرئيس الأمريكي بزيارة الرئيس صدام حسين في المحكمة التي كانت تجري بها محاكمته. استقبل بوش الرئيس العراقي استقبال الرؤساء وقدّم له التحية المتعارف عليها في هذه اللقاءات، واستمرت الزيارة لمدة عشرين دقيقة تقريباً جرى خلالها حوار هام بين الرجلين.
طلب الرئيس الأمريكي من صدام حسين إنهاء المقاومة ضد القوات المحتلة في العراق، وجاء جواب الرئيس العراقي بالرفض، قائلاً بأنه لا يملك السلطة في استمرار وإنهاء المقاومة العراقية، وإن الشعب العراقي هو من يملك تلك السلطة، ولن يرمي هذا الشعب سلاحه وسوف تستمر هذه الحرب مادامت قوات الاحتلال على أرضه.


استمر الحوار عشرين دقيقة، لإقناع وإغراء الرئيس العراقي بتقديم المساعدة وإنقاذ جيش الإمبراطورية العظمى، ولم يحصل الطرف الأمريكي إلا على الرفض. واقتصر جواب صدام حسين إن على هذه القوات التي غزت ودمرت العراق، واستباحت البلاد والعباد، وذبحت وعذبت وأذلت الشعب العراقي، عليها أن تدفع الثمن. والحل الوحيد هو الانسحاب الفوري والكامل وغير المشروط، وتعويض الشعب العراقي وتنفيذ مطالبه كاملة، وهذا الشعب هو من سيتولى حماية العراق واستتباب الأمن به.
أنهى بوش اللقاء وغادر القاعة غاضباً، دون أن يحصل على أي أمل بإنهاء عذابات ومعاناة قواته، وإيقاف كارثة النزيف البشري والمادي الأمريكي في العراق... خرج من القاعة وذاكرته تسترجع شريط خطابه العرمرمي الذي ألقاه من على حاملة الطائرات في 1 مايو 2003 معلناً به نهاية المهمة وانتهاء الحرب في العراق... ويتخيّل نفسه هناك، مرة أخرى، يعلن هزيمة إمبراطوريته الورقية وانسحاب قواته من العراق، وكأنه يشاهد مسلسل الانسحاب الأمريكي من فيتنام.
وفي طريق عودته، البالغ السرية، إلى طائرته التي تلف السرية التامة مكان وزمان هبوطها وإقلاعها، كان الرئيس الأمريكي يسائل نفسه أين أولئك العراقيين الذين قالوا عنهم أنهم سيستقبلون جنوده استقبال الأبطال الفاتحين بالورود والرياحين، ويا ترى هل ستتمكن قواته من الانسحاب بسلام؟!... وماذا بعد الانسحاب؟!
أما أهم مفارقات هذه الزيارة السرية التي لا يعلم بتوقيتها وطريقها أقرب المقربين من الرئيس الأمريكي، خوفاً من قوة سلاح المقاومة العراقية، أهم تلك المفارقات هو إن "رئيس وزراء" العراق، جوادي المالكي، قد أُقتيد لمقابلة جورج بوش بسرية تامة دون علمه أو قبوله، في مكان مجهول، حيث تم نقله بواسطة سيارة معتمة لا يشاهد من خلالها حتى الطريق المؤدية إلى مكان اللقاء، فوجد نفسه فجأة أمام الرئيس الأمريكي، تماماً كما أُقتيد الرئيس العراقي صدام حسين، وهو الأسير بيد قوات الاحتلال، بسرية تامة لمقابلة جورج بوش، دون علمه أو قبوله أيضاً، في قاعة من قاعات مبنى المحكمة حيث كانت تعقد جلسة محاكمته..
تعد زيارة الرئيس الأمريكي هذه، المحاولة الثالثة، في مسلسل التوسل والتضرّع من الرئيس صدام حسين لإنقاذ المشروع الأمريكي في العراق، حيث قام دونالد رامسفيلد بالزيارة الأولى في 2005، وقامت جونداليزا رايس بالزيارة الثانية في أبريل 2006. وتقول مصادر موثوقة بأن الإدارة الأمريكية على اتصال مع أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي المكلف بالبقاء في العراق ومواصلة الحوار مع صدام حسين...
وبهذه المناسبة نورد هنا رد المقاومة العراقية على طلب الرئيس الأمريكي، ومحاولات هروب المحتلين من المأزق والمستنقع الذي يعانون منه تحت ضربات الشعب العراقي، ورداً على أكاذيب عملائه:
"تُروُّجُ في وسائل الأعلام هذه الأيام مسألة المصالحة الوطنية وتُصوُّرُ على أنها البلسم الشافي لجراح العراق والحل الجاهز لمشاكل البلد الذي عاثت به الأيادي الأثيمة والتي أوصلتهُ إلى هذه الهاوية والدرك الأسفل من مستنقع التردي.. ولنا في هذا الباب كلمة نسجلها لله ثم للتأريخ.. ونتساءلَ بـادئـاً ذي بدءِ من يصالحُ من؟..
فإذا كانت المصالحة مع المحتلين الذين عاثوا في الأرض فساداً وخربوا البلد ودمّروا بنيتهُ التحتية، وأذلوا أهله، وانتهكوا حرماته، فتلك منةُ نَمُنها على الظالمين وإقراراً لهم بسوء صنيعهم وسواد طويتهم التي شاهدناها عين اليقين ولمسناها بواقع ٍ مهين.
وأن كانت المصالحة مع أذناب المعتدين وعملائهم فتلك مكافأة لأيدٍٍ ملطخة بدماء العراقيين، وتكريمُ لرموز الخيانة والعمالة الذين أوغلوا بدمائنا، وحرقوا مساجدنا، ومزقوا مصاحفنا، ولا يزالون سادرين بغيّهم ماضين بمخططهم منفسين لحقدهم الدفين. فأي مصالحة ودماء الشهداء تُسالُ بأيديهم؟!، وأي مصالحة وأعراض العفيفات تنتهك في سجون الصفويين؟!، وأيّ مصالحة وآلاف الأسرى ترزح تحت نير الحقد المتدرع بالمحتل؟!، وأيُّ مصالحة وآلاف العوائل المهجّرة بمخطط التطهير العرقي الطائفي في البصرة؟! وبغداد وغيرها من مدن العراق تحاكي غيرتنا وتستنهض هممنا. كما أن مئات الجثث التي تُرمى في شوارع بغداد وغيرها تحتم على كل ذي لبَ وغيرة ان يقتص من هؤلاء المجرمين لا أن يتصالح معهم!..
أن جرائم الصفويين وفعالهم الشنيعة لهي صرخةُ مدويةٌ في ضمائر الشرفاء وحقيقةٌ تنبىء إن النماذج القابعة الآن في (المنطقة السوداء) لهي أحط وأذل من ان تُمـدُّ لهم يـدُ المصالحة، وان الذي يجب ان يمد لها سيفٌ يجتثَ ارجاسهم وأدناسهم من أرضنا الطيبة حتى يعود نور الله ونور محمد صلى الله عليه وسلم ونور أصحاب محمد يلثم ربوعها ويزين سهولها وجبالها .
وأن الأيادي التي حملت سلاحها لتقاتل أعداء الله سبحانه وتعالى وتذود عن دينها وشرفها ووطنها لا تلطخ طهرها بمصافحة هؤلاء الذين تبوؤا مناصبهم عبر انتخابات مزورة هيئها لهم اسيادهم الصليبيّون. بل الذي بيننا وبينهم انهارٌ من دم أراقوها ظلمــاً وعدوانــاً..
( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) إبراهيم42".