يا ترى كيف يمكن كشف جبل من الأضاليل والأكاذيب؟!، ولا سيما عندما يتمكن أصحابها من الوصول إلى أهدافهم بامتلاك العقول والقلوب، وبوسائل تجاوزت حدود الإدراك والمنطق البشري، وحدود الأخلاق والضمير الإنساني... نعم، كيف يمكن شق ذلك الجبل من الأضاليل للوصول إلى قلب الحقيقة؟!، وقد استُغِلَ به الدين أسوأ استغلال لتغطية الحقائق وتشويهها وإنكارها وتبديلها بالأكاذيب التي بدورها تدحرجت ككرة ثلج تداخل فيها الديني بالدنيوي، والمادي بالروحي، والواقعي بالغيبي، والبشري بالرباني..
هذه هي الحالة العراقية، التي لا شبيه لها في التاريخ الإنساني.. الحالة الفريدة التي تكالب عليها أعدائها، وبنوا فوقها جبل من الأضاليل والأكاذيب ليخفوا جرائمهم التي يندي لها جبين البشرية.. وكلما ارتفع الجبل زادت الجرائم بشاعة خلفها حيث يعيش العراقيون حياة لم يعشها الإنسان في تاريخه.
يحكي تاريخ العراق عن الهجوم المغولي ووحشية جيوش هولاكو كأسوأ وأبشع احتلال مر على أرض السواد، حتى الأمس القريب، ولكن العراقيون يقولون اليوم، إذا كان هولاكو حوّل لون مياه دجلة والفرات إلى لون الحبر الأسود المسال من كتب دار الحكمة ومخازن الكتب ودور العلوم البغداية التي أغرق هذا الجيش البربري الملايين منها في النهرين، إلا إن الإحتلال الأمريكي والإيراني الذي يعيشه العراقيون منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، أحال مياه الرافدين للون الدم الأحمر بعد أن تحول العراق إلى منطقة منكوبة يُقتل فيها ما يعادل 500 عراقي كل يوم..

تؤكّد نخبة قراء أخبار الخليج، بأن سياسات هذه الصحيفة، المهنية والإدارية والثقافية والفنية والإعلانية، تضع اللبنات الأولى في بنى ميثاق شرف وأخلاق الصحافة البحرينية، قبل أن يُتفق على رسمها فوق الورق، لتصبح ملزمة من قِبَل الصحافة المحلية.. وأهم تلك البنى هو التمسّك بالثوابت المبدئية، والحرفية الراقية، اللتان لا تحيدان عن القيم الوطنية والمعايير السياسية المعاصرة والحضارية في الإلتزام بحرية التعبير عن الرأي التي تعمل بها هذه الصحيفة.. حتى بات للصحيفة الدور الريادي والموثوق في رصد ونشر قضايا وتفاعلات الشأن العام البحريني، الاقتصادية والسياسية وغيرها، كقناة اتصال وتواصل بين المجتمع وأفراده، وبينه وبين الرسميين في مختلف أجهزة الدولة.. ومنهم كلهم إلى القنوات الأخبارية والسياسية المختلفة خارج حدود هذا الوطن الصغير في مساحته، والكبير بدوره الإقليمي والدولي.

مع هلال رمضان في كل عام، تكثر المناقشات الدينية، بكل مستوياتها المعرفية والروحية في المجتمع البحريني، بكل فئاته الطبقية والعمرية.. وكل عام يمر نكتشف كم تزداد هذه المناقشات ضحالة وتشويهاً للإسلام، ولمضمون فكرة الدين أساساً، نتيجة انحراف الثقافة الإسلامية إلى هوامش لا صلة لها بالعلاقة الروحانية والأخلاقية التي تربط بين المخلوق وخالقه، بين الإنسان وربه.. فيحز في النفس أن تسمع إبنة السبع سنوات تسأل صديقتها الطفلة في المدرسة إن كانت سنية أم شيعية؟.. ولعدَم فهم الطفلة معنى السؤال، توضّح لها إبنة السبع سنوات سؤالها بآخر لتقول "يعني أنتوا تلبسوا أسود في محرم؟".. لتصاب الطفلة بالفزع متسائلة "لماذا نلبس الأسود؟؟"، فيأتي الاستنكار والاستهزاء من باقي البنات على هَبَل هذه الطفلة التي لم تُسيّس طائفياً، ولم يُشَوّه الإسلام في ذهنها. أما على مستوى الجامعة فالصورة أكثر حزناً، حيث سأل الطالب زميله، متظاهراً بمدى التزامه الديني، "هل ترفع خنصرك بالشهادة في نهاية الصلاة؟".. فأتى الجواب بالنفي ليُدلي المتساءل الأول بفتواه قائلاً "إذن صلاتك غير مقبولة في هذه الحالة".. وهكذا وصولاً إلى مناقشات أكثر ضحالة وسلوكيات أعمق ضرراً تدور بين الفئات الأكبر سناً والأعلى رتبة..

طلعت علينا الصحف هذا الأسبوع بخبر زيارة كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، لدول الخليج العربي والأردن ومصر (GCC+2)، في بحثها المكوكي عن حل لأزمة دولتها في العراق.. وبدأت بلقاء القيادة السعودية تطلب منهم تفعيل دورهم ونفوذهم لتحقيق "الأمن والاستقرار" هناك، في بادرة بها الكثير من الأدب واللياقة التي افتقدتهما الإدارة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة، قبل أن يُمَرّغ العراقيون والأفغان أنف قواتها العسكرية في الوحل العراقي والأفغاني..
ورغم إن العزيزة رايس تعلم جيداً عدمية جدوى محاولاتها هذه التي لن تأتي بـ"أُكلها" في العراق، إلا إن إدارتها الأمريكية لا ترى أمامها سبيلاً آخر يحفظ ماء وجه بلادها الذي يراق كل يوم على التراب العراقية، حيث تحدّق أنظار العالم مستنكرة الوحشية واللاإنسانية والتدني الأخلاقي لما دون الحيواني عند هذا الإحتلال، بعد أن حوّلت جيوش بلادها العراق الحضاري الآمن والمستقر إلى خرائب تنعق بها الغربان على جِيَف الجثث المشوهة من التعذيب والمكدّسة بالشوارع والطافحة في الأنهار...