للمقاومة في العراق فكرها واستراتيجياتها وتحليلاتها التي صدقت على مدى سنوات الاحتلال التي قاربت على الأربع.. ورغم التعتيم الاعلامي الحديدي المفروض حول هذه المقاومة إلا إن لقوتها استطاعت أن تخترق هذا التعتيم وتخرج بأخبارها وفكرها للعالم.. ولطالما كتبت في بياناتها ما حدث وما سيحدث، وكانت متطابقة للواقع.. ومن هناك في بغداد حيث يترنح جيش القوة العظمى الأمريكية، يؤكد المفكرون الأمريكيون بإنه لم يعد النصر الأمريكي ممكناً بأي شكل من الاشكال.. وحسب اعتراف بوش أن "شوارع بغداد أسقطت الحزب الجمهوري".. وها نحن بانتظار الإعلان عن سقوط الامبراطورية الأمريكية العظمى في شوارع بغداد.. فلم ينتهي القتال بعد..
ومن جبهة المعركة تقول هذه المقاومة إن الصدمة التي يعيشها الأمريكيون هو لاقتناعهم بأن "الحرب خطأ، وتمت بالأكاذيب وبأساليب إجرامية، وتحولت لكارثة على إقتصادهم وجيشهم دون نصر، لأنهم يحاربون شعبا ومقاومة لا تنهزم.. والصدمة هي درس العصور، فليس هناك إحتلالاً دائماً، ولا إمبراطورية دائمة.. والصدمة جعلت قيادات الجيوش والعصابات، التي تحارب العراقيين، يتخبطون في غرفة إنعدام الوزن، لا يعرفون المستقبل والحلول".
عن إدارة بوش ترى المقاومة إنها "لن تستمر في الحروب وإنتخابات الرئاسة قادمة.. بل ستدرس الإنسحاب مع الديمقراطيين، متى وكيف؟.. ثم التفاوض مع روسيا والصين وتركيا والمقاومة العراقية، لأن سوريا لا تملك الكثير، أما ايران فقد ربحت أكثر من اللازم (كما تقول اولبرايت) وحان وقت تعديل الإتفاقية!".. وقبل استقالة بول بولتون، السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، تنبأت المقاومة بأن "رامسفلد منتج الحروب الإستباقية، وقنابل الإبادة الذرية الصغيرة، والفوسفورية، وعدو الحريات، وسجان أبوغريب وجوانتنامو، ومبرمج مذابح (الصدمة والرعب).. ستنهال عليه السكاكين، والقضايا، والبرامج، لتفضح الجرائم والسجون السرية، فتجعل منه شماعة الفشل الذريع..

يبدو إن محاولات حزب الله في لبنان بتبرئة نفسه من التبعية للسياسات الإيرانية لم تعد تجدي نفعاً، ما دامت إيران مصرة على إثبات أواصر هذه العلاقة وإعلانها بتحد سافر.. فالقيادة الإيرانية لم تتوقف عن التدخل في الشأن الداخلي اللبناني، لا بل باتت تعلنها بصراحة وتحد فج.. فجاء التصريح الأخير للسيد المرشد الأعلى من إيران قائلاً بإن "الحكومة اللبنانية التي لا تمثيل للشيعة بها غير شرعية ويجب أن تتغيّر"، لينسف كل محاولات السيد حسن نصر الله لإقناع اللبنانيين بلبنانية حزبه التي يكررها عشرات المرات في خطاباته الصاخبة، آخرها خطبة الأسبوع الماضي في الاعتصام الجماهيري الذي يتزعمه في وسط بيروت.. هذا الاعتصام الذي جاء بعد أقل من أربعة أشهر من انتهاء حرب الـ 44 يوماً مع إسرائيل، التي شمل دمارها كل لبنان، جاء ليشل العصب الاقتصادي والتجاري اللبناني ويكتمل دمار لبنان..

لا يحاول الكثيرون تفسير الظواهر السياسية التي تمر بها المنطقة، لكثرتها أولاً، ولشدتها ثانياً، حتى بتنا نعيش كم من المتغيرات السلبية والكارثية على مجتمعاتنا مما لا شك يدفعنا للتساؤل حول كيف حصل هذا؟ ولم يكن هذا هو الحال قبل كذا عدد من السنوات، ولماذا هذا الآن؟..
وأحد أهم الظواهر السياسية السلبية التي نعيشها كل يوم، والتي بدت واضحة في مرحلتي الانتخابات التي عاشتها البحرين، في أكتوبر 2002 وديسمبر 2006، هو حالة اللامواطنة واللاوطنية الشائعة في المجتمع، والتي بدت واضحة جداً في تمترس كل طائفة لانتخاب طائفتها، وهي حالة شديدة الخطورة لمدى ما تعكسه من فقدان الرابطة بين الفرد والوطن، وعدم الوعي الكامل بمفاهيم الديمقراطية التي يطالب بها الجميع، وعدم الوعي بمدى خطورتها التي تعكس أساساً حالة لاوطنية، وضياع الهوية، والتي كلها تعد ثغرات جاهزة لأي اختراق ثقافي كالذي حدث خلال العقدين الماضيين ونتج عنه ثقافة التسفيه لثوابتنا ومثلنا العليا.. فيا ترى هل هذه الثقافة اللاوطنية واللامواطنية حالة طبيعية، جاءت بدون أسباب وستزول بدون عناء؟.. أم إنها ليست بحالة طبيعية، إنما أخذت طريقها إلى ثقافة جيلنا الجديد بشكل منهجي ومدروس، ولن تزول إلا بجهود واعية ومنهجية مضادة؟.

إن اعتبرنا الانتخابات أهم أركان وأسس الديمقراطية من حيث حرية الفرد في الاختيار، فإن انتخاباتنا في البحرين لا زالت أبعد ما تكون في علاقتها بالديمقراطية، لافتقادها هذه الممارسة الأساسية لحقوق المواطنية وحقوق الفرد، بعد أن تم توجيه الناخبين لصناديق الاقتراع بالإرهاب الفكري تارة، وبتغييب الإرادة تارة أخرى، مارسته عليهم الأطراف التي حققت فوزاً ساحقاً لمترشحيها، والشواهد والأدلة على هذه الممارسات لم تعد مستترة..
كان التصويت في هذه الانتخابات للطائفة المذهبية ولم يكن للتمثيل الشعبي في البرلمان البحريني، حيث تم ممارسة أنواع من التهديد والوعيد، المادي والغيبي، لكل من لا ينتخب ضمن هذا المفهوم.. بدأ بفتاوى "العلماء" بعدم قبول صلاة كل من لا ينتخب "الكتلة الإيمانية"، ولم ينتهي عند حدود فتح مراكز انتخابية افتراضية في الحسينيات، تم تسجيل ناخبيهم فيها فرداً فرداً، جاء في نهايته تصريح رئيس "الكتلة الإيمانية" للإعلام، قبل موعد الانتخابات بأيام معدودة، بأنه في حال فوزهم بأقل من 13 عضواً في البرلمان سيُعِدّون الانتخابات مزورة.. وبه تم توجيه رسالتين، الأولى تشكل تهديداً للقيادة السياسية بمحاولة قلب الطاولة في حالة عدم تحقيق أهدافهم، والثانية تهديداً للناخب بإمكانية كشفه، والنيل منه، في حال عدم الالتزام بالتصويت بموجب ما تم تحديده في تلك الصناديق الافتراضية.. دون أن ننسى إنه تم الطلب من آلاف الناخبين أداء اليمين على المصحف الشريف لانتخاب هذه الكتلة التي لم يحصل على "شرف" الانتساب لها إلا مترشحي الوفاق "الإسلامية".