ونحن على بُعد سويعات معدودة من انتهاء الإقتراع السري وإعلان نتائج الانتخابات، باتت صورة الخريطة السياسية للبرلمان القادم واضحة المعالم.. ولم يعد من يشكك في تلك الصورة، إلا في مجال الدعاية الانتخابية أو المزايدة السياسية لبعض المراوغين المتخفين خلف قناع البراءة من الأمراض السياسية الخطيرة المهيمنة على المجتمع، وهم منغمسين في أعمق بقاعها..
لم يعد خافياً إن الخريطة السياسية للبرلمان البحريني القادم (2006) ستتكون بغالبيتها، من عناصر الإسلام السياسي، وسيكون من نصيب المستقلين في هذا البرلمان أقل من 20%، حيث لا يمكن إلا وضع الفائزين (إن وجد) من أصحاب الهويات السياسية الأخرى، المتحالفة مع التيارات الإسلامية، في خانة حلفائهم من ذلك التيار الإسلامي أو الآخر اللذين أوصولوهم إلى قبة البرلمان في الدورة الأولى أو الثانية.. وهذه هي الحقيقة الأولى التي لا ينكرها قادة هذه التيارات الإسلامية المدافعين بشراسة لإيصال أكبر عدد من قوائمهم الانتخابية، والمتحالفين معهم، لتكوين الاصطفاف المرسوم له في أجنداتهم داخل البرلمان..

المرأة في كل انحاء العالم تتقدم بخطى واسعة نحو القيادة.. ودول العالم المتقدم والمواكب لمتطلبات العصر تسير باتجاه المشاركة والشراكة الكاملة لكل فئات المجتمع في السياسة والتشريع والقيادة، تدفع النساء إلى الأمام لتساهم بدورها في اتخاذ القرار في كل هذه المواقع.. وأثبتت المرأة بأنها لا تقل عن الرجل في أي من ملكاتها، العقلية والبدنية، إن لم تكن أقوى منه نسبياً في الدفاع عن الوطن بذات القوة التي تدافع اللبؤة عن أبنائها وفلذات أكبادها، وأكثر ما يتجلى هذا الدفاع في كل الأوجه الوطنية بدءاً من تسخير كل إمكانياتها المادية والمعنوية والروحية في تربية أبنائها، وانتهاءاً بنظافة يديها عن الفساد المالي، ومروراً بالبحث عن الأفضل وتقصي الدقة ومراعاة التفصيليات والتحلي بالصبر وسعة الصدر للاستماع للصغير والكبير، والتي عادة ما لا تتوفر لدى الغالبية العظمى من الرجال، نظراً لنمط التفكير الذكوري المستمد من التربية والمحيط الاجتماعي..

إن للإنتخابات، كأوضح وأكبر آليات الديمقراطية، فعل السحر في كشف مدى إستغلالها بعملية تشكيل الشخصية الفردية والجماعية للمجتمع.. سلباً أو إيجاباً... حيث تتجه نحو السلبية أكثر في المجتمعات التي تفتقد بنى الثقافة السياسية في وعيها الجماعي، فتعيش في حالة من الفوضى الثقافية التي تسهّل العملية برمتها من ناحية، كما تسهّل كشفها من ناحية أخرى. ولربما يبدو ذلك جلياً في العملية الانتخابية التي نعيشها في البحرين لمدى وضوح الدور الذي تلعبه التنظيمات السياسية والإسلامية في تشكيل الشخصية البحرينية المتطرفة، والسلبية، ومسلوبة الإرادة، تحت شعارات مضللة تنتهي في محصلتها النهائية إلى تقديس الشخص، الذي يلغي بدوره حق الخيار الفردي والجماعي ليحل محله حق الولاء والتبعية للزعيم السياسي والديني من جهة، ويخلق الفرد السلبي الذي يدافع عن امتيازاته النفسانية المتطرفة أكثر من امتيازاته السياسية والمواطنية من جهة أخرى.
ومما لا شك فيه إن هذه الممارسات التي تبدو أكثر وضوحاً في الانتخابات (البحرين مثالاً) هي حصيلة عمل منظّم بدأ مبكراً، (على مدى ثلاثة عقود) لهيكلة الشخصية العربية في ظل شعارات متباينة ومتوافقة، تحت مسمى "الشخصية الإسلامية"، تم خلاله الاستغلال السيئ للدين عموماً والإسلام خصوصاً، بواسطة الإسلاميين و"التقدميين" تزلفاً، فأفقدوا الإسلام تسامحه وروحانيته، كما أفقدوا المجتمع سماحته وقدرته على التقدّم ومواكبة العصر على إسس متينة ومستمدة من تراثنا العربي الإسلامي الأصيل.

عادة ما تكشف الانتخابات عن بعض الجوانب الخفية في المجتمعات.. سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات.. وفي هذه المناسبات عادة ما تتعرى بعض الشخصيات والقوى السياسية أمام الجماهير لتكشف عن سلبياتها وإيجابياتها... هذا في حال امتلاك المجتمع قدراً مناسباً من الثقافة السياسية التي تلهمه القدرة على قراءة الحدث وقراءة الفرد في خضم التوتر التنافسي الشديد بين المترشحين، والقوى المساندة لهم.. وهذا ما يجب على الجمهور البحريني التدرّب عليه.. القراءة السياسية للأفراد من خلال الأحداث والأحداث من خلال الأفراد... ولكن مع تفادي المبالغة والإساءة للآخر أو الإساءة للمجتمع، مع مراعاة الإبقاء على الخلاف والاختلاف في مستوى العمل السياسي دون أن ينسحب ذلك على الحياة الاجتماعية.. ودون أن نترك العنان لهذا الحدث الانتخابي بما يحمله من حيثيات التضاد والتنافس أن يتغلّب على ما يتمتع به الإنسان البحريني من بساطة وألفة وحميمية..
بهذه المقدمة، وبهذه المناسبة الانتخابية، أعرب عن خيبة أملٍ شديدة في قوى الإسلام السياسي الفاعلة في الساحة الانتخابية البحرينية، إذ أظهرت ممارساتها عدم وعي بحقيقة المخاطر والتحديات التي تواجهها البحرين في هذه المرحلة السياسية الصعبة التي تمر بها المنطقة والأمة بشكل عام.. وكشفت بعض هذه القوى عن تباين واضح بين أقوالها وأفعالها في نشاط سياسي نحن بأمس الحاجة فيه للتكاتف ووحدة الصف بعيداً عن الأفكار القديمة التي شتتت جهودنا وأضاعت الكثير من الفرص في أن نصبح قوة وطنية واحدة وضاربة، بعيداً عن الشعارات المستهلكة.. بهدف الحفاظ على هويتنا وسيادتنا المهددتين.