عادة ما تكشف الانتخابات عن بعض الجوانب الخفية في المجتمعات.. سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات.. وفي هذه المناسبات عادة ما تتعرى بعض الشخصيات والقوى السياسية أمام الجماهير لتكشف عن سلبياتها وإيجابياتها... هذا في حال امتلاك المجتمع قدراً مناسباً من الثقافة السياسية التي تلهمه القدرة على قراءة الحدث وقراءة الفرد في خضم التوتر التنافسي الشديد بين المترشحين، والقوى المساندة لهم.. وهذا ما يجب على الجمهور البحريني التدرّب عليه.. القراءة السياسية للأفراد من خلال الأحداث والأحداث من خلال الأفراد... ولكن مع تفادي المبالغة والإساءة للآخر أو الإساءة للمجتمع، مع مراعاة الإبقاء على الخلاف والاختلاف في مستوى العمل السياسي دون أن ينسحب ذلك على الحياة الاجتماعية.. ودون أن نترك العنان لهذا الحدث الانتخابي بما يحمله من حيثيات التضاد والتنافس أن يتغلّب على ما يتمتع به الإنسان البحريني من بساطة وألفة وحميمية..
بهذه المقدمة، وبهذه المناسبة الانتخابية، أعرب عن خيبة أملٍ شديدة في قوى الإسلام السياسي الفاعلة في الساحة الانتخابية البحرينية، إذ أظهرت ممارساتها عدم وعي بحقيقة المخاطر والتحديات التي تواجهها البحرين في هذه المرحلة السياسية الصعبة التي تمر بها المنطقة والأمة بشكل عام.. وكشفت بعض هذه القوى عن تباين واضح بين أقوالها وأفعالها في نشاط سياسي نحن بأمس الحاجة فيه للتكاتف ووحدة الصف بعيداً عن الأفكار القديمة التي شتتت جهودنا وأضاعت الكثير من الفرص في أن نصبح قوة وطنية واحدة وضاربة، بعيداً عن الشعارات المستهلكة.. بهدف الحفاظ على هويتنا وسيادتنا المهددتين.
في هذه المرحلة التاريخية الصعبة التي تمر بها المنطقة العربية بشكل عام، والخليج العربي بشكل خاص، والتي تكالبت فيها المشاريع الاستعمارية من الشرق والغرب على أمتنا، والتي تستهدف فيها تاريخنا ووطننا وشعبنا وفكرنا وسيادتنا وهويتنا، معتمدة على عمود مركزي واحد وهو الطائفية بشتى أنواعها، في هذه المرحلة التاريخية الصعبة، لا زالت تصر قوى الإسلام السياسي في البحرين كما في باقي الوطن العربي، على ممارسة الطائفية في الانتخابات، كما تمارسها ومارستها في المجالات الأخرى على مدار تاريخها السياسي.. فخرجت كل جمعية إسلامية منهم في هذه الانتخابات تدعم طائفتها تحت شعار المعاملة بالمثل، معتقدة بأنها تحقق بذلك أهداف سياسية كبرى... بينما يبدوا مؤكداً أن هذه القوى، أو بعضها، لا تملك القدرة على التنبؤ بنتائج وتداعيات هذا الأداء الطائفي على الوطن، إن كان الوطن هو هدفها الحقيقي..
كان يحدونا الأمل بعد ما سمعناه في الندوات والحوارات والاجتماعات وما سمعناه من وعود وُزّعَت يميناً وشمالاً، كان يحدونا الأمل بأن هناك شيء من التقدّم قد تحقق في تخطي هذه القوى لممارساتها وأفكارها الطائفية المدمّرة.. وكان يحدونا الأمل بأن تكون هذه القوى قد استوعبت ما نشير إليه من أخطار حقيقية تواجهنا، وهي قاب قوسين وأدنى من أن تعصف بنا.. وكان يحدونا الأمل أن نتحد تحت راية العروبة والإسلام لنحارب بهما أعدائنا ونُفشل مخططاتهم.. وكان يحدونا الأمل أن تكون قيادات هذا التيار قد استوعبت الدرس، أو الكابوس الذي يعيشه شعبنا العربي في العراق من حرب بين كل ما هو غير عربي وبين العرب، وبين كل ما هو غير إسلامي وبين الإسلام، تحت عنوان الطائفية.. وكان يحدونا الأمل أن نكون قد تجاوزنا الكثير من الأخطاء بالنوايا الصادقة، والشهامة العربية، والأخلاق الإسلامية الرفيعة.. وما كنا نعتقد بأن جلسات الحوار والوعود، التي بُذِلَت في فترة ما قبل الانتخابات، ما كانت إلا لذر الرماد في العيون.. وإن الخُلق الإسلامي لا يزال بعيداً عن العمل السياسي الذي تمارسه هذه القوى..
كان يحدونا الأمل بأن يدخل القوميون والإسلاميون في هذه الإنتخابات ككتلة واحدة يرهبون بها أعداء الله وأعدائهم.. ولكن الطريقة التي سارت بها التحالفات الانتخابية تثبت من ناحية بأن هذا التيار لايزال بعيداً عن أي وعي بمصلحة الوطن والأمة وما تواجهانه من تحديات ومخاطر، وتشير من ناحية أخرى بأن هناك محرّكٍ ما يدير شئون هذا التيار بما يتضارب مع مصالحنا العربية والإسلامية معاً..
لهذا نتوقع أن تستمر مواقف هذا التيار بعيداً عن الواقع العربي الذي بات يعاني من أعدائه وأبنائه، في ظل شعارات واهية وفضفاضة لا وجود لها على أرض الواقع... فيا ترى متى تتم الصحوة وتعي قادة التيار إن العروبة والإسلام عضيدان لا ينفصلان، مهما حاول أعدائهما الإنفراد بأحدهما في أطرافه البعيدة لضربه بالآخر...
وبذلك، فإننا نتنبأ للبرلمان القادم بأن يكتسحه الحس الطائفي والإقصائي الذي بات من أهم سمات هذه الانتخابات... ولكي يضمن المجتمع البحريني من وجود صمام أمان يحمي مجلسنا الوطني من التطرّف الطائفي الذي يمكن أن يؤدي في لحظة ما إلى حل البرلمان وفشل مشروعنا الديمقراطي برمته، ليس أمامه إلا العمل على إيصال القوميين إلى قبة البرلمان..
القوميون، وهم براء من كل تلك الشوائب والأمراض الطائفية والإقصائية، هم العنصر المتوازن والمعتدل الذي سيحمي مصالح الشعب البحريني برمته في المجلس الوطني، بعيداً عن أي اعتبار للطائفة أو النوع أو الأصل.. فهؤلاء القوميون، تربوا وتثقفوا وعاشوا حياتهم على حب الوطن والإيمان بالعقيدة، دون زيف أو أنانية.. هؤلاء من يضع الوطن فوق كل اعتبار بقراءة سليمة وحس وطني لا تشوبهما شائبة، وهؤلاء هم من تتطابق أقوالهم بأفعالهم.. هؤلاء القوميون هم الحماية التي يجب أن تتوفر لمسيرة المجلس الوطني والمشروع الإصلاحي.. وهم من يجب أن نوصلهم إلى البرلمان لمواجهة الموجة الطائفية القادمة التي ستكتسح البرلمان مع من سيدخلونه من خلال تحالفاتهم الطائفية.. فإدعموهم..
*ألقت الكاتبة هذه الكلمة في افتتاح مجلس انتخابي يوم الأثنين 30 أكتوبر 2006