و"للإسلام" رب يحميه..

إن للإنتخابات، كأوضح وأكبر آليات الديمقراطية، فعل السحر في كشف مدى إستغلالها بعملية تشكيل الشخصية الفردية والجماعية للمجتمع.. سلباً أو إيجاباً... حيث تتجه نحو السلبية أكثر في المجتمعات التي تفتقد بنى الثقافة السياسية في وعيها الجماعي، فتعيش في حالة من الفوضى الثقافية التي تسهّل العملية برمتها من ناحية، كما تسهّل كشفها من ناحية أخرى. ولربما يبدو ذلك جلياً في العملية الانتخابية التي نعيشها في البحرين لمدى وضوح الدور الذي تلعبه التنظيمات السياسية والإسلامية في تشكيل الشخصية البحرينية المتطرفة، والسلبية، ومسلوبة الإرادة، تحت شعارات مضللة تنتهي في محصلتها النهائية إلى تقديس الشخص، الذي يلغي بدوره حق الخيار الفردي والجماعي ليحل محله حق الولاء والتبعية للزعيم السياسي والديني من جهة، ويخلق الفرد السلبي الذي يدافع عن امتيازاته النفسانية المتطرفة أكثر من امتيازاته السياسية والمواطنية من جهة أخرى.
ومما لا شك فيه إن هذه الممارسات التي تبدو أكثر وضوحاً في الانتخابات (البحرين مثالاً) هي حصيلة عمل منظّم بدأ مبكراً، (على مدى ثلاثة عقود) لهيكلة الشخصية العربية في ظل شعارات متباينة ومتوافقة، تحت مسمى "الشخصية الإسلامية"، تم خلاله الاستغلال السيئ للدين عموماً والإسلام خصوصاً، بواسطة الإسلاميين و"التقدميين" تزلفاً، فأفقدوا الإسلام تسامحه وروحانيته، كما أفقدوا المجتمع سماحته وقدرته على التقدّم ومواكبة العصر على إسس متينة ومستمدة من تراثنا العربي الإسلامي الأصيل.


وللأسف الشديد، إن العملية الانتخابية في البحرين، بمختلف طوائفها وفئاتها السياسية، إتسمت بهذه الظاهرة، والسير على هذا الخط، حيث يقضى آلاف الشباب أيامهم ولياليهم في المجالس والخيام الانتخابية يستمعون لخطاب سياسي يتراوح بين الإساءة إلى الوطن ومكتسباته، التي تحققت على مدار الزمن، بكل الألفاظ والمصطلحات السلبية، دون أن يسمحوا بثغرة للنقاش أو مجالاً لرفض هذا التقييم، الذي يوصف كل إنجازات الوطن في ظل النظام (أي نظام هم غير مشاركين فيه) بالفساد والفشل وعدمية الجدوى وضرورة التغيير، إن لم يكن الإنهاء، في تعميم شديد السلبية.. وبين خطاب ديني فيه الكثير من السلبية والضعف والإستكانة والثغرات التي هي بحاجة لعقل واعي وذهنية متفتحة للمناقشة والحوار..
تُبَث كل هذه الخطب دون أن يُترك مساحة من الوقت للحوار حول البرامج الانتخابية التي في معظمها لا تتجاوز كونها أكثر من صيَغ انشائية لافتقادها المعايير العلمية التي تتناسب مع كفاءات أصحابها السياسية والثقافية والعلمية وتاريخهم العملي والمهني.. ودون أن يفسحوا حتى مجالاً لحوار جاد، وغير زائف، حول معايير وقيم المواطنة التي يجب أن تُبعث من خلال معايير العمل الجماعي والتعاضد المجتمعي والرسمي من جهة، وحول مفاهيم تراكم الانجازات لتحقيق التغيير الأفضل نحو أهداف كبرى يتشارك بها المجتمع بكل فئاته مع الحكم من جهة أخرى.. حيث إن التغييرات والانجازات الكبرى لن تتحق بدون النوايا الحسنة والعمل الجماعي المخلص، وعدم تفضيل أو تمييز الأنا على الآخر، وهذا كله لن يتحقق دون حس وطني عالي ينشأ من عقلية مواطنية واعية لمصالحها وثوابتها..
إن الغالبية الكبرى من الحملات الانتخابية البحرينية، على مختلف توجهاتها، تشترك في خطاب سياسي موحد يحمل كل أو بعض هذه السمات المدمرة للمجتمع، لتتحول الكلمات والشعارات إلى عملية إجترار وتكرار لذات المصطلحات والأفكار المتداولة منذ نصف قرن.. فكلهم ينفون عن ذواتهم الطائفية وهم جميعاً مشتركون فيها بشكل وبآخر، سواء على مستوى الطائفية المذهبية أو الحزبية.. وكلهم يتهكمون ضد العشائرية والقبلية، وخطاباتهم تنضح بمدح عشيرة وقبيلة مرشّحهم وأجداده وأسلافه.. وكلهم يتباهون بالإسلام (لِحَى، وعَمَائم، وأحاديث وتفاسير ووو...) ولا يمارسون الإسلام إلا بمدى ما يحقق مصالحهم.
إن مَن يُنشِد أي تقدّم للوطن يجب أن يؤسس كل أدائه على إنه بقدر احتياج مجتمعاتنا لتغيير بُناها الموضوعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، هي في ذات الوقت بحاجة لتربية الفرد الذي تقوم عليه هذه البُنى.. فلن تُبنى الدول بمجتمعات تتحكم بأفرادها السلبية وتنقصهم العقلية الناقدة الإيجابية.. ولن تُبنى الدول بأفراد مشحونين بالتطرف ومشاعر التدمير المتأججة على مدار الساعة.. أو بمن يبني قصوراً في الجنة لآخرته بينما يعيش خواءاً فكرياً وحسياً في دنياه.
فأرحموا هذا الوطن من كل هذه النفوس المشحونة بالتوتر والغضب.. وللإسلام رب يحميه من كل ما ينسب إليه زوراً وتزلفاً..


كلمات دالة: