نواصل نشر اجزاء من كتاب “Confessions of an Economic Hit Man”، (اعترافات سفاح أقتصاد) الذي يعترف فيه مؤلفه جون هوبكنز (John Hopkins) التوبة والبراءة من تاريخه كسفاح اقتصادي، بسرد قصته في هذه المهنة التي يقول عنها "إن السفاحين الاقتصاديين هم خبراء محترفون يتقاضون رواتب عالية جداً، ويمارسون خديعة الدول في أنحاء العالم وابتزاز تريليونات الدولارات منها. وهم يغدقون الاموال من البنك الدولي ووكالة التنمية الدولية الامريكية وغيرهما من منظمات “العون” الخارجي، على خزائن الشركات الضخمة، وجيوب حفنة من العائلات الثرية التي تسيطر على الموارد الطبيعية في كوكب الارض. وتشتمل ادواتهم على التقارير المالية المضللة، والانتخابات المزورة، وتقديم الاموال، والابتزاز، والجنس، والقتل".

اصبحت كل السياسات الاستعمارية الدولية مكشوفة، ولأن هذه الدول، التي تُدعى بالدول العظمى، جميعها مشتركة في تلك السياسات الإجرامية بسلسلة من المصالح المترابطة في نهب الشعوب الفقيرة، لذلك لا تتعرض أي من هذه الدول إلى أي تهديد يضر بمصالحها، ولم تعد هذه الدول تبالي بهذا الانكشاف السافر الذي تتعرض له سياساتها.
كتاب “Confessions of an Economic Hit Man”، (اعترافات سفاح أقتصاد) يرفع الستار عن السياسات والوسائل المتبعة في سرقة ثروات العالم عبر البنك الدولي، بإعتراف من مؤلفه، جون هوبكنز (John Hopkins) الذي يسرد قصة حياته المهنية مع هذا البنك، بدءاً بمراحل حياته المبكرة، عندما تم تجنيده سراً، من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكي، تحت غطاء عمله في شركة استشارية دولية، ليصبح سفاح اقتصادي مهمته الأساسية إغراء أو توريط الدول للإستدانة من البنك الدولي بما يخدم مصالح التحالف الأمريكي المكوّن من الحكومة والمصارف والشركات الكبرى...

ما من شك إن الحلم الإمبراطوري الأمريكي يعتمد أساساً على نجاح "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، وهذا المشروع ما هو إلا مخطط تفصيلي لتلك العبارة التي جاءت في خطاب كولن باول، وزير الخارجية الأمريكية السابق، في الأمم المتحدة، عشية الغزو الأنجلوأمريكي على العراق (مارس/آذار 2004)، معلناً للعالم القرار الأمريكي بالبدء في تنفيذ أهم الإستراتيجيات الاستعمارية الجديدة، وهو مشروع "إعادة صياغة الشرق الأوسط جغرافياً وسياسياً". وهذا المشروع، الذي وضعه المحافظون الجدد في الإدارة الأمريكية، تم التخطيط له بناءاً على الرؤية الأمريكية القائلة بأن المنطقة العربية ما هي إلا أرض تسكنها كيانات سكانية غير متجانسة أو منسجمة عرقياً ودينياً ومذهبياً وطائفياً، ولكي يعم الأمن على الحضارة الغربية والأمريكية، وللتخلص من العنف والإرهاب القادم إليهم من منطقتنا، فإنه قد حان الوقت للعمل على تفتيت المنطقة وإعادة ترتيبها في كنتونات صغيرة على الأسس العرقية والدينية والمذهبية لساكنيها (بالرؤية الأمريكية)، حيث إن تقسيمات "سايكس بيكو" لم تعد تحقق النتائج المرجوة للغرب الاستعماري الجديد، وإن البت في تقسيمات "الشرق الأوسط الكبير" بات ملحاً للوصول إلى هدف السيطرة الكاملة على شعوب هذه المنطقة لإخماد أي معارضة للسياسات الاستعمارية الجديدة، من خلال كيانات عرقية وطائفية ومذهبية ضعيفة، لتسهيل مهمة الإمبراطورية الأمريكية بامتلاك كل مصادر الثروة والقوة لردع قيام أية قوة أخرى في العالم منافسة للقوة الأمريكية.
ولكن، ولسوء حظ هذا المشروع الاستعماري البائس إنه بدأ أولى حلقاته باحتلال العراق، وما كان له بد إلا أن يبدأ من هناك، لأهميته الجيوسياسية وموارده الثرية من جهة، ولما لهذه الدولة من قوة ودور تاريخي في سقوط الإمبراطوريات التي غزت المنطقة على مدار التاريخ من جهة ثانية، وكانت "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" هي آخر الإمبراطوريات الغازية التي عندما دخلت المنطقة من البوابة العراقية مع بدايات القرن العشرين كُتِبَ لها الانهيار في أواسط القرن...
ونكرر، من سوء الحظ الأمريكي العاثر، إنه بدأ حلمه بغزو واحتلال العراق... والأكثر تهوراً إن هذه القوة العظمى الهوجاء بدأت غزوها للعراق بأكاذيب تمت صياغتها في أروقة البنتاجون لتبثها على العالم، وإذ بالإدارة الأمريكية، وإدارة البنتاجون ذاتها، تقعان في حبائل تلك الأكاذيب فتصَدّقانها، ليأخذهما ذلك الحظ العاثر إلى غزو العراق وإحتلاله، لمواجهة مقاومة وطنية لم تكن في حساباتهما الوردية، وليصحو كل الساسة والعسكريين الأمريكان، على الإنهيار المريع في كل قواهم وأساطيلهم الحربية الموزعة على كامل مساحة الأرض العراقية...