البنك الدولي ومافيا نهب ثروات الشعوب (1)

اصبحت كل السياسات الاستعمارية الدولية مكشوفة، ولأن هذه الدول، التي تُدعى بالدول العظمى، جميعها مشتركة في تلك السياسات الإجرامية بسلسلة من المصالح المترابطة في نهب الشعوب الفقيرة، لذلك لا تتعرض أي من هذه الدول إلى أي تهديد يضر بمصالحها، ولم تعد هذه الدول تبالي بهذا الانكشاف السافر الذي تتعرض له سياساتها.
كتاب “Confessions of an Economic Hit Man”، (اعترافات سفاح أقتصاد) يرفع الستار عن السياسات والوسائل المتبعة في سرقة ثروات العالم عبر البنك الدولي، بإعتراف من مؤلفه، جون هوبكنز (John Hopkins) الذي يسرد قصة حياته المهنية مع هذا البنك، بدءاً بمراحل حياته المبكرة، عندما تم تجنيده سراً، من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكي، تحت غطاء عمله في شركة استشارية دولية، ليصبح سفاح اقتصادي مهمته الأساسية إغراء أو توريط الدول للإستدانة من البنك الدولي بما يخدم مصالح التحالف الأمريكي المكوّن من الحكومة والمصارف والشركات الكبرى...

وبشئ من التفصيل يذكر المؤلف كل المهمات الدولية التي قام بها في إندونيسيا وبنما والاكوادرو وكولومبيا والمملكة العربية السعودية وإيران... وغيرها، لينتهي بما وصل إليه من قرار التوبة والاعتراف بكل هذه المآسي الإجرامية، تكفيراً بذنوبه التي لا تُغتفر...
يكشف المؤلف في اعترافاته تلك الآلية الإمبريالية الخفية للنظام الداخلي الذي يربط البنك الدولي بالشركات والمصارف والحكومة الأمريكية، لإفقار الدول والشعوب. وما يهمنا في هذا الكتاب هو التعرف على خطط البنك الدولي السرية لنهب ثروات الدول النفطية وتغليف الفقر فيها بمظاهر خادعة، مما عمل على تنامي العداء والكراهية ضد الولايات المتحدة الأمريكية والغرب إجمالاً... ولربما هذا ما دفع جون بيكنز لكشف هذه السياسات بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وننشر هنا أجزاء من ملخص محتويات الكتاب (ترجمة وعرض الاستاذ عمر عدس / موقع دورية العراق www.iraqpatrol.com):
"يشرح جون بيركنز طبيعة المهمة المخيفة التي ينفذها هؤلاء السفاحون الاقتصاديون في العالم، فيقول: لقد أنشأنا نحن السفاحين الاقتصاديين، على مدى 30-40 سنة مضت أضخم امبراطورية كونية في تاريخ العالم، وهنالك عدة طرق لفعل ذلك، ولكن الطريقة المثلى تتلخص في اننا نحدد احدى دول العالم الثالث، التي تتمتع بامتلاك مصادر طبيعية نشتهيها، وفي هذه الايام غالباً ما تكون هذه المصادر هي النفط، أو ربما تكون القناة في حالة بنما. نذهب الى تلك الدولة، ونرتب لها قرضاً ضخماً من أوساط الاقراض الدولي، وفي العادة يتولى البنك الدولي قيادة هذه العملية... وهكذا، دعنا نقلْ اننا نمنح هذه الدولة قرضاً بقيمة مليار دولار، وأحد شروط اعطاء ذلك القرض، إن غالبيته، أي ما يقارب 90% منه يعود إلى الولايات المتحدة، إلى إحدى شركاتنا الكبرى، مثل بكتل وهاليبرتون. وتبني تلك الشركات في تلك الدولة محطات طاقة ضخمة، وطرقاً عريضة سريعة، وموانئ، ومجمعات صناعية، ومشروعات بنية تحتية ضخمة تخدم في الاساس الأثرياء جداً في تلك الدول، ويعاني الفقراء ولا يستفيدون من تلك القروض وتلك المشاريع. وفي حقيقة الامر، غالباً ما يجري تقليص الخدمات الاجتماعية بشدة في عملية تسديد القرض، وما يحدث كذلك إن هذه الدولة من دول العالم الثالث تصبح رازحة تحت عبء دين ضخم لا يُحتمل أن تقدر على تسديده. ومن الامثلة على ذلك، الاكوادور في الوقت الحاضر، فالدين الخارجي في الاكوادور، نتيجة لممارسة السفاحين الاقتصاديين، يعادل نحو 50% من دخلها القومي، ولا يُتوقع ان تقدر على تسديد ذلك الدين، شأنها شأن العديد من دول العالم الثالث. ولذلك نعود الى تلك الدول عندئذ ونقول للمسؤولين فيها: انظروا، لقد اقترضتم كل هذه الاموال منا، وأنتم مدينون لنا بها، ولا تستطيعون تسديد ديونكم، ولذلك أعطوا نفطكم لشركات نفطنا بسعر رخيص جداً... وفي حالة العديد من هذه الدول، والاكوادور خير مثال على ذلك، يعني ذلك تدمير غابات المطر هناك، وتدمير ثقافاتهم المحلية. هذا ما نفعله الآن في أنحاء العالم، وهذا ما ظللنا نفعله طوال الوقت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بقليل، وظل يتراكم مع الزمن حتى اليوم حيث بلغ أبعاداً خيالية في ضخامتها، وحيث نسيطر على معظم الموارد الطبيعية في العالم".
ونتوقف عند هذا الجزء من عرض الكتاب للدور المافياوي الذي يقوم به البنك الدولي، لننتقل إلى الجرائم التي تقوم بها هذه المافيا الدولية في العراق منذ سقوطه بين براثن الاحتلال الأنجلوأمريكي... وفي هذا نشير إلى مقال حول دور صندوق النقد الدولي وأسعارالمنتجات البترولية العراقية، للدكتور سعدالله فتحي، الخبير في وزارة النفط العراقية سابقاً، والذي يذكر فيه إن سعر ليتر الغازولين في العراق ارتفع من 20 إلى 100 دينار للعادي، ومن 50 إلى 250 دينار للممتاز... وليتر النفط الابيض من 5 إلى 10 دنانير... وليتر زيت الغاز من 10 إلى 30 دينار... والغاز السائل من 250 إلى 500 دينار للقنينة سعة 12.5 كيلوغرام. وفي هذا يذكر الكاتب إن الحكومة المعينة في العراق تصر على تطبيق هذه الأسعار رغم معارضة العراقيين الذي ظهر بمعدّل 87% في استطلاع قام به مركز بحوث السوق في جامعة بغداد.
ويبدي الخبير العراقي تعجبه قائلاً "في اعقاب غزو العراق واحتلاله الذي حطّم البلد ومؤسساته ومزّق نسيجه الاجتماعي، لم يكن من المتوقع ان يأتي صندوق النقد الدولي بهذه السرعة ليتمم هذه الاعمال. ومن المعروف أن الصندوق أثّر في سياسات مشابهة في دول أخرى. لكن في حال العراق فإن أقل ما يقال هو إن هذا التأثير متسرّع ومخرّب، وإن الصندوق لا يمكن أن يكون بهذه القسوة في إملاء شروطه على العراق في هذه المرحلة... ولكن سرعان ما حصلت حكومة بغداد على مكافأتها بعد هذه القرارات المجحفة حيث أعلن صندوق النقد الدولي في 23 ديسمبر/كانون الاول عن قرض بقيمة 685 مليون دولار للعراق اعترافاً بـ (نجاحه في دعم استقرار المؤشرات الاقتصادية الكلية في 2005)، ولا نعلم ما يعنيه الأمر بالنسبة إلى فقراء العراق الذين لم يستلموا كامل حصتهم التموينيه للشهور الثمانية الماضية. ولا أعلم ماذا سيفعل هذا القرض للعراق. وأقول بتواضع، إنني لست خبيراً في هذا الموضوع، ولكن حساباً سريعاً يبين أن قيمة هذا القرض لا تتجاوز ما يحصل عليه العراق من تصدير النفط لمدة عشرة أيام فقط وبالمستوى المتدني الحالي... وعليه فمن الممكن أن يكون هذا القرض إشارة لدفع الحكومة لزيادة أسعار الوقود بدلاً من دعم واضح للعراق".
ويذكر الخبير النفطي هنا إن عائدات هذه الزيادات في الاسعار التي ستسحب من الاقتصاد والشعب العراقي تصل إلى 950 ترليون دينار في السنة "في وقت تتجاوز فيه نسبة البطالة 40%، و20% من العراقيين تحت خط الفقر الذي عرّفه الجلبي بأنه يساوي دولاراً واحداً في اليوم للفرد" بموجب الارقام الحكومية "وربما تكون الارقام الحقيقية أسوأ... ولكي تنجو الحكومة من ورطتها، أعلنت انها ستوزع 500 ترليون دينار للعائلات الفقيرة من دون ان تعلن عن آلية شفافة للعائلات في اختيارها".
هذا ما يدعى بتحرير العراقيين من "الديكتاتورية" ليتحولوا إلى شعب متسوّل يعيش تحت خط الفقر...