في جلسة الثلاثاء 17 أبريل 2006، اختلطت الأوراق على أصحاب السعادة النواب في البرلمان البحريني، في نقاشهم لقانون الصحافة والطباعة والنشر، ما بين أهمية حماية الصحافة والنشر، وضرورة إلغاء عقوبة حبس الصحفي المنصوص عليها في قانون الصحافة، والعكس، أو إيجاد عقوبة مجزية تردع الصحفيين عند إضرارهم بالمصلحة العامة أو القذف ضد الآخرين، والعكس، وأهمية مراقبة المنشورات التي تنشر ثقافات غريبة وتؤجج الثقافة الطائفية وغيرها والعكس... إلخ.
إلا أن ما بين كل هذا اللج في مناقشة القانون، والتي استمرت لمدة ساعة ونصف فقط، تمكّن النائبين عيسى أبوالفتح، وفريد غازي، من فرز أهم ورقتين في هذه القضية ووضعهما على أطراف الحوار، دون أن يتمكّنا من بعث الإشارات الهامة حول رأييهما إلى باقي النواب، لربما بسبب عدم كفاية المدة المحددة لمناقشة هذا القانون الهام والخطير في تلك الجلسة، وتأجيل مناقشة ما تبقى منه إلى جلسة يوم الثلاثاء 25 أبريل 2006.

خلال أكثر من ثلاثة أيام متواصلة بعد تصريحات، الرئيس المصري حسني مبارك (تلفزيون العربية، يوم السبت 8 أبريل 2006) التي أعلن فيها عن رأيه الشخصي بأن غالبية شيعة العراق والمنطقة ولائهم إلى إيران، ظهرت على صفحات الإعلام المقروء والمسموع والمرئي فزعة منظمة لجماعات من "الشيعة" تعلن رفضها وتكذيبها لهذا الرأي، مؤكدين إن ولائهم لأوطانهم العربية والإسلامية، ووصلت هذه الفزعة لدى بعض من هذه الجماعات في البحرين إلى حد مطالبة السفير المصري بتفسير رسمي لتلك التصريحات، واتصلت هذه الجماعات التي ادعت بأنها تمثل "التحالف الرباعي" في البحرين، بسعادة السفير، لمعرفة رأيه... ومن مظاهر فزعة الغضب تلك أن بعض من إخواننا المصريين في البحرين استلم تهديدات بالضرب (كنا نتمنى أن توجه هذه التهديدات للمحتلين وليس لإخواننا العرب)، واستلم السفير المصري العديد من برقيات الاستنكار، كما أعلنت حركتي أمل وحزب الله في لبنان، وبعض "القيادات الشيعية" في العراق، رفضها لتلك التصريحات... إلخ.
ونحن إذ نمتلك رؤيتنا وتفسيراتنا السياسية لتصريح الرئيس حسني مبارك، الذي جاء في فترة من أكثر الفترات السياسية والعسكرية تفجراً في ظل الاحتلال الأنجلوأمريكي والصهيوصفوي في العراق، تلك الرؤية والتفسيرات التي سنرجع لها في مقالنا القادم، نرى إننا بحاجة ماسة للتوقف أمام مظاهر تلك الفزعة المفتعلة والمبرمجة ضد التصريح قبل أن تنطلي بشكل أو بآخر على المواطن العادي في ظل ظروف تشوبها الغموض واختلاط الأوراق بشكل متعمّد ولأهداف سياسية بعيدة المدى.

انتهى العام الثالث لجريمة احتلال العراق، ولا تزال الإدارة الأمريكية والبنتاجون السيئتي الصيت، تعتمدان على أسلوب التكتيم والتعتيم في إخفاء معاناة الشعب العراقي من جرائمهم البشعة التي لا يُذكر لها شبيهاً في التاريخ البشري... كما تعتمدان على الكذب والأكاذيب في نقل كل خبر يتعلق بهذا الاحتلال وعملائه بشكل مباشر وغير مباشر، سواء على مستوى مجمل الحالة العراقية في الداخل، أو على المستوى السياسي العربي المتزايد سوءاً وخطورة وتهديداً لأمن واستقرار المنطقة العربية بشكل عام، أو على مستوى الأمن والتنمية والاقتصاد في دولنا كل على حدة.

من السذاجة والتبسيط الشديدين القول إن البنتاجون أصدرت قرار الغزو، دون أن تملك خطة اليوم الثاني بعد احتلال العراق... فالخطة الأمريكية لما بعد احتلال العراق هي ما نفذها جي جارنر، وبول بريمر، أولاً: بتدمير كامل البنية التحتية والفوقية، وإنهاء كل مؤسسات ومظاهر الدولة، والقضاء على الخطة التنموية التي تميّزت بها العراق علمياً واقتصادياً واجتماعياً، وثقافياً، ونشر الفوضى لتشكيل ضغط اقتصادي وأمني على حياة الشعب العراقي، وانشغاله عن مواجهة ومقاومة الاحتلال، ثانياً: تغيير ديمغرافية العراق وخلق عصبيات طائفية وأثنية تتوزع في كيانات سكانية متصارعة ومعزولة عن بعضها البعض، وإلغاء فكرة دولة العراق، التي يراد إنكار وجودها جغرافياً وتاريخياً، لتحل محلها أقاليم متنازعة في نظام فيدرالي قد يكون جديداً من نوعه لعدم تشابه الديمغرافية العراقية لأية فيدراليات أخرى في العالم، ثالثاً: المحافظة على ولاء تلك الكيانات للإدارة الأمريكية، رابعاً: والأهم، هو السيطرة الكاملة على منابع النفط العراقي، وما تحويه الأرض العراقية من موارد ثرية...