الذكرى الثالثة لاحتلال العراق... والمتغيرات الخطيرة

انتهى العام الثالث لجريمة احتلال العراق، ولا تزال الإدارة الأمريكية والبنتاجون السيئتي الصيت، تعتمدان على أسلوب التكتيم والتعتيم في إخفاء معاناة الشعب العراقي من جرائمهم البشعة التي لا يُذكر لها شبيهاً في التاريخ البشري... كما تعتمدان على الكذب والأكاذيب في نقل كل خبر يتعلق بهذا الاحتلال وعملائه بشكل مباشر وغير مباشر، سواء على مستوى مجمل الحالة العراقية في الداخل، أو على المستوى السياسي العربي المتزايد سوءاً وخطورة وتهديداً لأمن واستقرار المنطقة العربية بشكل عام، أو على مستوى الأمن والتنمية والاقتصاد في دولنا كل على حدة.


يقول العراقيون إنهم يعيشون هذه السنوات أسوأ وأحلك الأيام سواداً، فلم يمر على تاريخ العراق أن عاش شعبه سنوات من عدم الاستقرار والانعدام التام للأمن كما يعيشه هذا الشعب في ظل الاحتلال الأنجلوأمريكي، في القرن الواحد والعشرين الميلادي... فبفضل ما يدعى بالرقي الحضاري الغربي وأسلحته المدمّرة بات العراق أكثر خطراً من غابات الحيوانات الكاسرة، ومن كل جبهات الحروب التي عرفتها البشرية.
لم يعد العراقيون يشعرون بالأمان حتى في داخل بيوتهم، حيث التفجيرات ممكن أن تحدث في أي مكان وفي أي وقت، وإن لم يكن تفجيراً فيمكن أن يكون سطواً مسلحاً واختطاف للبشر في وضح النهار ومن داخل البيوت، أو مداهمة من الشرطة أو الجيش أو قوات الاحتلال بكل ما يملكه أولئك من أسلحة وقوة قتل ودمار. فبدعوى الديمقراطية والحرية، يُقتل ويُعتَقَل ويُشَرّد ويُغتصب المئات والمئات من أطفال وشيوخ وشباب ونساء العراق كل يوم.
يقول العراقيون إنهم لا يخرجون للشارع إلا للعمل أو للضرورة، وحتى عادة الجلوس في حدائق المنازل، التي تميّز بها البغداديون، فقد أصبحت في عداد ذكريات الماضي، إذ إن الخروج لحديقة المنزل يعرض صاحبه لخطر القتل أو السطو أو الاختطاف. فلا يخرج العراقي من المنزل بدون سلاحه الشخصي للدفاع عن النفس، وبدون مرافق يحمي أحدهم الآخر... وهكذا يعيش العراقي في توتر مستمر على مدار الساعة في البيت وخارجه.
لا تزال قصص السيارات المفخخة تتصدر أخبار العراق كل يوم، ويروح ضحية تفجيراتها المئات من العراقيين من جميع الطوائف والمذاهب. وضمن التكتيم والتعتيم الإعلامي يحاول المحتلون الإبقاء على لغز هذه التفجيرات غامضاً، للإساءة إلى تاريخ وبطولات المقاومة العراقية... ورغم ذلك التعتيم يعرف العراقيون من هم الأطراف القائمة على هذه التفجيرات، فهم نفس الأطراف التي تعمل على إشعال حرب أهلية طائفية في العراق منذ ثلاث سنوات ولم تفلح في ذلك حتى الآن، لما يملكه هذا الشعب من مناعة وحصانة ثقافية وسياسية ضد آفة الطائفية المقيتة.
عشرات الجثث الملقاة في الشوارع وأماكن النفايات باتت من المناظر المألوفة لدى العراقيين، حيث يشيرون في ذلك بأصابع الاتهام إلى فرق الموت المنتشرة في كل العراق، وخصوصاً منذ استلام الجعفري للسلطة، حيث يعيث ما يدعى بالجيش والشرطة فساداً وإرهاباً في كل مدينة وحي وبيت عراقي، وتتضاعف أعداد القتلى والمعتقلين والمختطفين كل يوم دون أن تهتم الحكومة بإجراء تحقيق أو البحث عن القتلة ومعاقبتهم.
إن تردي الوضع العراقي إلى أدنى المستويات اللاإنسانية، خطراً وبؤساً، لا يمكن أن يكون عملاً عفوياً أو خارجاً عن إرادة كل قوى الاحتلال التي تتربع على عرش العراق وثرواته. إذ لم يُجدِ صبر العراقيين على العيش بدون الكهرباء والماء الصالح للشرب وحرمانهم من الغاز والبنزين وكل أنواع الطاقة، وصبرهم على انعدام الخدمات وكل وسائل العيش السليم والآمن، الذي كان يراد به الضغط على هذا الشعب لإلهائه عن مقاومة الاحتلال، فجاءت خطط المحتلين بزيادة الضغط على كل مناحي الحياة العراقية إلى الحد الأقصى، والأقصى هو فقدان الأمن والحماية والعيش حتى خارج إطار قانون الغاب، إذ لم يعد في العراق أي نوع من أنواع القوانين التي تحمي وتُنصِف العراقيين... اعتقاداً من المحتلين بأن قسوة الحياة كفيلة بتغيير مفاهيم هذا الشعب لتنحصر اهتماماته في البحث عن مصادر الحماية والرزق ويبتعد قدر الإمكان عن ثقافة المقاومة.
ولكن آخر التقارير الصادرة عن جولة جوندليزا رايس، وزيرة خارجية المحتل، تقول إن توسلها المذل للحصول على موافقة الدول العربية لإرسال جيوشها إلى العراق بهدف إنقاذ بلادها من المستنقع الخطير الذي تغوص به في أرض السواد، لهو أكبر دليل على كذب الإعلام الذي يشيعه البيت الأبيض والبنتاجون حول قوتهم على الأرض في العراق... وتقول التقارير إن الرفض الأول على الطلب الأمريكي جاء من مصر العروبة... وتقول أيضاً أن المقاومة العراقية تتقدّم كل يوم من النصر، وإن قوة هذه المقاومة مستندة أساسا على قوة ودعم الشعب العراقي بأكمله وبجميع طوائفه، رغم كل ما يعانيه هذا الشعب من مصاعب حياتية يومية... وهناك على أرض العراق يكتب المقاومون تاريخ الأمة بخيوط من نور...