قانون الصحافة والطباعة والنشر في البرلمان...

في جلسة الثلاثاء 17 أبريل 2006، اختلطت الأوراق على أصحاب السعادة النواب في البرلمان البحريني، في نقاشهم لقانون الصحافة والطباعة والنشر، ما بين أهمية حماية الصحافة والنشر، وضرورة إلغاء عقوبة حبس الصحفي المنصوص عليها في قانون الصحافة، والعكس، أو إيجاد عقوبة مجزية تردع الصحفيين عند إضرارهم بالمصلحة العامة أو القذف ضد الآخرين، والعكس، وأهمية مراقبة المنشورات التي تنشر ثقافات غريبة وتؤجج الثقافة الطائفية وغيرها والعكس... إلخ.
إلا أن ما بين كل هذا اللج في مناقشة القانون، والتي استمرت لمدة ساعة ونصف فقط، تمكّن النائبين عيسى أبوالفتح، وفريد غازي، من فرز أهم ورقتين في هذه القضية ووضعهما على أطراف الحوار، دون أن يتمكّنا من بعث الإشارات الهامة حول رأييهما إلى باقي النواب، لربما بسبب عدم كفاية المدة المحددة لمناقشة هذا القانون الهام والخطير في تلك الجلسة، وتأجيل مناقشة ما تبقى منه إلى جلسة يوم الثلاثاء 25 أبريل 2006.


طرح أحد النائبَين أهمية وجود ميثاق شرف لأخلاقيات الصحافة ملزم يسند هذا القانون، قبل أن يتخلّص المشرّع من الجزاءات والعقوبات المنصوص عليها وترك الأمر دون رادع أخلاقي أو تشريعي... وطرح الآخر ضرورة إلغاء كل العقوبات المنصوص عليها في قانون الصحافة ضد الصحفيين، والاعتماد في ذلك على نصوص قانون العقوبات.
مع دعمنا الكامل لرأي النائبين الفاضلين، في شأن الجسم الصحفي البحريني، وحماية حرية الرأي والتعبير والنشر، وحقوق الكاتب والصحفي والصحافة في ذلك، نحاول هنا أن نضع بين أيدي نوابنا الكرام شيئاً من رأينا الذي نتمنى أن لا يكون قد جاء متأخراً...
يعيش عالمنا اليوم حرباً إعلامية كبرى، لا يمكن تفاديها وعدم التعرض لأضرارها، دون خلق وعي ثقافي كامل بأهمية الإعلام وأساليب إدارته وقراءته والتعامل معه... ولربما يأتي العرب على رأس قائمة المتضررين من هذه الحرب الإعلامية التي اشتد سعيرها منذ بداية نهاية الاتحاد السوفييتي السابق، في أواخر العقد الثمانيني من القرن الماضي، ولا تزال هذه الحرب في أوج شدتها مع اشتداد الحروب والصراعات الدولية لتشكيل النظام العالمي الجديد الذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية، بكل ما أوتيت من قوة، أن تتزعمه.
وأهم وسائل إدارة هذه الحرب، هو استعمال مصطلحات حرية التعبير عن الرأي دون ذكر الأخلاقيات والسلوكيات الملازمة لتلك الحرية بما يحفظ مصالحنا الوطنية والقومية. إن ما يتم ترويجه حول تلك الحرية، هو ما يتناسب مع ثقافة العرب البسيطة في هذا المجال، وما يتناسب مع حالة الانبهار العربي بالإعلام الغربي وحريته، كما يعيشها العرب ببساطتهم الفكرية من جهة، وبتأثير تراكمات القمع السياسي العربي من جهة أخرى. إنها حرباً إعلامية يخفي غبارها الكثير من الحقائق والمفاهيم التي يصعب على الغالبية العظمى من الإعلاميين العرب التعرف عليها، فكيف بإنسان الشارع العربي المنغمس والمنهمك (دون جدوى) في بحثه عن وسائل العيش الكريم... وفي هذه الدائرة المغلقة تعمل تلك الحرب لتدير الرؤوس والعقول، وتفوّت كل فرصة حقيقية للتعرف على حقيقة الإعلام الغربي، وإلى أية درجة يتم استغلال ذلك الإعلام في خدمة المصالح الاستعمارية، التي لا يمكن الحفاظ عليها دون استعمال كل وسائل الكذب والعنف والتكتيكات اليومية لتأطير عقولنا بهالة من المصطلحات والمفاهيم الفارغة من مضامينها، مثل مفهوم الحياد في الإعلام، الذي لم يثبت له أي وجود حقيقي في إعلام "الديمقراطيات" المسلّط علينا ضمن استراتيجيات عسكرية هجومية، توضع وتدار في وزارات دفاعها.
وضمن هذا المفهوم كان على مجتمعاتنا أن تعي حقيقة خطر الإعلام وتتعلّم أهم دسائسه وتقنياته السياسية قبل الفنية، والثقافية قبل الأخبارية... وهذا ما لم يتم استيعابه في كل الإعلام العربي من مشرقه إلى مغربه، فلم نتعلّم كيف نستعمل الإعلام في تحقيق مصالحنا، وفي التصدي للغزو الثقافي الموجه ضدنا منذ رحلات المستشرقين وحتى يومنا هذا.
لذلك بقيت مجتمعاتنا، التي لازالت لا تملك معايير إعلامية سليمة بحاجة ماسة لممارسة الإعلام على أسس مهنية تناسب قضايانا، من خلال ميثاق شرف للصحافة والصحفيين ملزم معنوياً ويعمل على تطوير وتماسك الإعلام لدعم مصالحنا الوطنية وأمننا القومي.
ففي مجتمعات تخلو من هذا الميثاق والمعايير والمفاهيم الصحفية الثقافية والسياسية السليمة، نرى ذلك الكم من التخبط الإعلامي في ممارسات الصحافة وممارسات الدولة اتجاهها، ومن أمثلتها الصارخة هو استلام الشباب صغيري السن (في العشرينات)، أو أي صحفي يملك بعض القوة اللغوية في صياغة التعابير الإنشائية، مسؤولية كتابة العمود الصحفي، وهي ظاهرة سلبية لا تتكرر في المجتمعات المتقدمة والديمقراطية إذ تعد ضد ميثاق الشرف الصحفي، وضد القيم والمعايير المتبعة والمتعارف عليها في الإعلام، حمايةً للمجتمع والوطن... فضمن ميثاق شرف الصحافة وقيمها لا يستلم مسؤولية العمود الصحفي إلا كاتب قدير وعلى درجة عالية من النضج المجتمعي الذي وفرته له سنوات عمره وعمقه الثقافي وتجاربه الإنسانية المختلفة، كما لا يُعطى أي صحفي لا يملك المفاهيم والمعايير الصحفية السليمة مسؤولية التصريح والاتصال. وبالجانب الآخر، فبينما للصحفي الشاب أدوار عديدة لا تتضمن كتابة العمود، قبل أن يتطور في علمه وثقافته ومهنيته وتجاربه، فإنه نادراً ما يخطئ الصحفي الكاتب المؤهل في فهم وممارسة مهنته، وحينها تقل الحاجة لتشريع نصوص جزائية ضد الصحفي، والتي غالباً ما تأتي ضمناً في قانون العقوبات وليس في قانون الصحافة والنشر.
ونخلص هنا إلى حاجة الجسم الصحفي البحريني بأكمله إلى ميثاق شرف أخلاقي يحمي ويطوّره مهنياً، كما لا يحتاج هذا الجسم الصحفي لاية قوانين جزائية ينص عليها قانون الصحافة والنشر، إذ إن قانون العقوبات بما يحتاجه الوطن من وسائل الردع والحماية في كل المجالات لحماية أمنه الوطني والقومي.
ولنوابنا الكرام التحية والسلام...


كلمات دالة: