فزعة "الشيعة" في الخليج، بعد تصريحات الرئيس المصري، حقيقة أم وهم...؟

خلال أكثر من ثلاثة أيام متواصلة بعد تصريحات، الرئيس المصري حسني مبارك (تلفزيون العربية، يوم السبت 8 أبريل 2006) التي أعلن فيها عن رأيه الشخصي بأن غالبية شيعة العراق والمنطقة ولائهم إلى إيران، ظهرت على صفحات الإعلام المقروء والمسموع والمرئي فزعة منظمة لجماعات من "الشيعة" تعلن رفضها وتكذيبها لهذا الرأي، مؤكدين إن ولائهم لأوطانهم العربية والإسلامية، ووصلت هذه الفزعة لدى بعض من هذه الجماعات في البحرين إلى حد مطالبة السفير المصري بتفسير رسمي لتلك التصريحات، واتصلت هذه الجماعات التي ادعت بأنها تمثل "التحالف الرباعي" في البحرين، بسعادة السفير، لمعرفة رأيه... ومن مظاهر فزعة الغضب تلك أن بعض من إخواننا المصريين في البحرين استلم تهديدات بالضرب (كنا نتمنى أن توجه هذه التهديدات للمحتلين وليس لإخواننا العرب)، واستلم السفير المصري العديد من برقيات الاستنكار، كما أعلنت حركتي أمل وحزب الله في لبنان، وبعض "القيادات الشيعية" في العراق، رفضها لتلك التصريحات... إلخ.
ونحن إذ نمتلك رؤيتنا وتفسيراتنا السياسية لتصريح الرئيس حسني مبارك، الذي جاء في فترة من أكثر الفترات السياسية والعسكرية تفجراً في ظل الاحتلال الأنجلوأمريكي والصهيوصفوي في العراق، تلك الرؤية والتفسيرات التي سنرجع لها في مقالنا القادم، نرى إننا بحاجة ماسة للتوقف أمام مظاهر تلك الفزعة المفتعلة والمبرمجة ضد التصريح قبل أن تنطلي بشكل أو بآخر على المواطن العادي في ظل ظروف تشوبها الغموض واختلاط الأوراق بشكل متعمّد ولأهداف سياسية بعيدة المدى.


يبدوا واضحاً من فزعة الرفض تلك، إن عملية التصدي للتصريح كانت منظمة ومبرمجة وجاءت بإملاءات من مصدر واحد... وكنا نتمنى لو جاءت تلك الفزعة الكبرى عند حدوث الاحتلال في العراق، وخصوصاً بعد أن رفضت جماعات قوية من "الشيعة" (ذات الولاء لإيران) المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأمريكي للعراق، كما أملاها عليهم المصدر الرئيسي المستفيد من هذا الاحتلال مباشرة، وهذه الاستفادة ظهرت جلياً بعد ذلك في نصوص الدستور العراقي الذي فرض على العراق الواحد أن يتقسّم إلى فيدراليات لن يكون في مصلحة أي طرف غير الطرف الإيراني المساهم مباشرة في وجود الاحتلال في العراق... وكنا نتمنى لو سمعنا تلك الفزعة ضد السيد الأبطحي، المستشار السياسي للرئيس محمد خاتمي، عندما أعلن في ديسمبر 2003، عن العون والمساعدة التي وفرتها إيران للقوات الأمريكية لتحتل أفغانستان والعراق، ولولا هذا العون لما حصل الإحتلالين، حسب تصريحات الأبطحي... وكنا نتمنى أن نسمع عن جزء من فزعة تلك الجماعات "الشيعية" بعد تصريحات عبدالعزيز الطباطبائي الحكيم، عندما استلم رئاسة مجلس الحكم في العراق تحت سلطة الحاكم الأمريكي بريمر، ومطالبته العراق بدفع مائتي مليار دولار كتعويضات لإيران عن الحرب العراقية الإيرانية... وكنا نتمنى أيضاً أن نسمع من كل تلك الأطراف رفضهم وفزعتهم ضد تصريحات الطباطبائي الحكيم نفسه، عندما طلب من إيران التفاوض مع الولايات المتحدة حول العراق، وكأن العراق ولاية إيرانية... (يؤكد القيادي البارز في حزب الدعوة السيد عادل رؤوف بأن هذه العائلة إيرانية الأصل، في كتابيه "العراق بلا قيادة، قراءة في أزمة القيادة الإسلامية الشيعية في العراق الحديث" و"محمد باقر الصدر بين دكتاتوريتين"، من منشورات المركز الإعلامي العراقي للدراسات، 2005).
وبعد كل ذلك، وبعد كل المذابح والسجون الإيرانية الجارية في العراق، ألا نستحق نحن الشيعة بأن ينسب ولائنا جوراً إلى إيران، المتحكّم الأول في مصير العراق والمنطقة تحت مظلة كل القوى الاستعمارية الجديدة منذ بدء الاحتلال؟... فهل هناك من يفسر لنا موقف الشيعة السياسي المسالم والمتحالف مع الاحتلال في العراق، بحجة المقاومة السلمية؟... في الوقت الذي يطالبون فيه عدم انسحاب المحتل الأمريكي خوفاً من مزاعم الحرب الأهلية والطائفية؟...
هذا جزء بسيط من المواقف والتصريحات والسياسات المتناقضة للشيعة (الموالين لإيران) في المنطقة، وكلها لا تجد تفسيراً غير ما قاله الرئيس المصري في تصريحاته تلك، فيا ترى هل هذا هو واقع حال الشيعة أم هو ما تحاول إثباته جوراً بعض الأطراف، بهدف تحقيق مصالح إيران أيضا؟... وخصوصاً عندما نعلم إن تاريخ شيعة العراق يؤكّد بأن كل الحركات والأحزاب القومية والعروبية والمناهضة للاستعمار على مدار التاريخ الحديث للعراق كان مؤسسيها هم أبناء الشيعة. وللأهمية نورد هنا بعض الأمثلة من أسماء بعض تلك الأعلام العراقية وأحزابها القومية، وهم: السيد محمد مهدي كبه مؤسس حزب الاستقلال العراقي في أوائل القرن الماضي، عبدالرزاق شبيب مؤسس الحزب العربي الاشتراكي، حامد الجبوري وسلام أحمد الياسري مؤسسي حركة القوميين العرب، فؤاد الركابي وسعدون حمادي مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي... والعشرات غيرهم.
وأخيراً، إذ إننا نؤكّد بأن نسبة عدد الشيعة للسنة التي ذكرها الرئيس المصري، ما هي إلا أرقام وهمية جاء بها الاحتلال بهدف تغيير الوقائع العراقية، ولم تكن موجودة ضمن أية سجلات أو وثائق إحصائية سابقة أو لاحقة، وإن كل العشائر العراقية التي تنقسم بين المذهبين ولائهم للعراق والعروبة، ولن يكون لإيران قط، وهم منخرطون في المقاومة المسلحة ضد المحتلين... فإننا نؤكد بأن لنا رجوع إلى تصريحات الرئيس حسني مبارك في مقال قادم...