المقاومة العراقية والشرق الأوسط الكبير...

ما من شك إن الحلم الإمبراطوري الأمريكي يعتمد أساساً على نجاح "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، وهذا المشروع ما هو إلا مخطط تفصيلي لتلك العبارة التي جاءت في خطاب كولن باول، وزير الخارجية الأمريكية السابق، في الأمم المتحدة، عشية الغزو الأنجلوأمريكي على العراق (مارس/آذار 2004)، معلناً للعالم القرار الأمريكي بالبدء في تنفيذ أهم الإستراتيجيات الاستعمارية الجديدة، وهو مشروع "إعادة صياغة الشرق الأوسط جغرافياً وسياسياً". وهذا المشروع، الذي وضعه المحافظون الجدد في الإدارة الأمريكية، تم التخطيط له بناءاً على الرؤية الأمريكية القائلة بأن المنطقة العربية ما هي إلا أرض تسكنها كيانات سكانية غير متجانسة أو منسجمة عرقياً ودينياً ومذهبياً وطائفياً، ولكي يعم الأمن على الحضارة الغربية والأمريكية، وللتخلص من العنف والإرهاب القادم إليهم من منطقتنا، فإنه قد حان الوقت للعمل على تفتيت المنطقة وإعادة ترتيبها في كنتونات صغيرة على الأسس العرقية والدينية والمذهبية لساكنيها (بالرؤية الأمريكية)، حيث إن تقسيمات "سايكس بيكو" لم تعد تحقق النتائج المرجوة للغرب الاستعماري الجديد، وإن البت في تقسيمات "الشرق الأوسط الكبير" بات ملحاً للوصول إلى هدف السيطرة الكاملة على شعوب هذه المنطقة لإخماد أي معارضة للسياسات الاستعمارية الجديدة، من خلال كيانات عرقية وطائفية ومذهبية ضعيفة، لتسهيل مهمة الإمبراطورية الأمريكية بامتلاك كل مصادر الثروة والقوة لردع قيام أية قوة أخرى في العالم منافسة للقوة الأمريكية.
ولكن، ولسوء حظ هذا المشروع الاستعماري البائس إنه بدأ أولى حلقاته باحتلال العراق، وما كان له بد إلا أن يبدأ من هناك، لأهميته الجيوسياسية وموارده الثرية من جهة، ولما لهذه الدولة من قوة ودور تاريخي في سقوط الإمبراطوريات التي غزت المنطقة على مدار التاريخ من جهة ثانية، وكانت "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" هي آخر الإمبراطوريات الغازية التي عندما دخلت المنطقة من البوابة العراقية مع بدايات القرن العشرين كُتِبَ لها الانهيار في أواسط القرن...
ونكرر، من سوء الحظ الأمريكي العاثر، إنه بدأ حلمه بغزو واحتلال العراق... والأكثر تهوراً إن هذه القوة العظمى الهوجاء بدأت غزوها للعراق بأكاذيب تمت صياغتها في أروقة البنتاجون لتبثها على العالم، وإذ بالإدارة الأمريكية، وإدارة البنتاجون ذاتها، تقعان في حبائل تلك الأكاذيب فتصَدّقانها، ليأخذهما ذلك الحظ العاثر إلى غزو العراق وإحتلاله، لمواجهة مقاومة وطنية لم تكن في حساباتهما الوردية، وليصحو كل الساسة والعسكريين الأمريكان، على الإنهيار المريع في كل قواهم وأساطيلهم الحربية الموزعة على كامل مساحة الأرض العراقية...

وفي هذا قال بول وولفويتز، النائب السابق لوزير الدفاع الأمريكي والرئيس الحالي للبنك الدولي، وأحد أكبر المتحمسين والمخططين لغزو واحتلال العراق، بأنه لو كانت الإدارة الأمريكية تعلم بإن العراق خال من أسلحة الدمار الشامل لما قاموا بمغامرة الحرب والاحتلال التي وصلت تكلفتها البشرية والمادية إلى حدود لم تكن في حساباتهم، وإنهم كانوا في هذه الحالة سيقدمون "الدعم للمعارضة العراقية في الداخل للقيام بالثورة والانقلاب على النظام" (نوفمبر 2005)... ويعد اعتراف وولفويتز هذا تأكيداً صارخاً على عمق أزمة الإدارة الأمريكية وقواتها في تلك الحرب غير النظامية المستعرة في العراق منذ ما يقارب الثلاث سنوات.
أما المقاومة العراقية فإنها تقول في آخر بياناتها "أن العراق والمقاومة في مرحلة قتال دموي لا يرحم مع الإمبراطورية الأمريكية، خلال نصف السنة القادمة (2006) الحاسمة، وتسعى المقاومة العراقية بمخططاتها، لإنهاء حلم الإمبراطورية بأذن الله تعالى!"... وتؤكد المقاومة توقعاتها تلك، فتقول في البيان ذاته "نحن لا نبالغ، فالغزاة يعلمون ذلك لأنهم أصروا منذ شهر، على معرفة برنامج المقاومة من إحدى الدول الصديقة، فأرسلنا لهم نشرتنا 2، فقدموا اقتراحا بالانسحاب مقابل توقيع امتيازات نفطية دائمة، وعدم المطالبة بإلغاء التعويضات عن حرب الخليج، وعدم المطالبة بكل أراضي الكويت، وعدم الرجوع للتصنيع العسكري، وترك الشمال للعصابات، فقلنا لهم، لن نبدّل حرفا ولن نتفاوض مع المحتلين، بل نضيف، أن تنسحبوا فورا وتسلّمونا كل من جاء معكم من الخونة والفرس، وأن تدفعوا التعويضات عن كل أضرار الغزو. وإن لم تقبلوا اليوم، ستقبلوا به غدا في خيمة صفوان، ليذكر التاريخ أن أقوى جيش في العالم، جلس مع المقاومة العراقية للتوقيع". (نشرة 28-القيادة الموحدة للمجاهدين "رافدان"، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، "موقع البصرة نت")
وفي ذات البيان الذي قدمته المقاومة العرقية بعنوان "توازن الرعب... وحرب الأقاليم!!" يؤكدون بعد حمدهم لله العزيز القدير "أن المقاومة العراقية، أصبحت واقعاً معترفا به محليا ودوليا، وتحاول حكومات صديقة فتح قنوات للمساعدة السياسية والمالية"، وإنهم سيقابلون "مبدأ "الرعب القاتل" الذي تفرضه حكومة بوش ورامسفيلد بما لديهم من "المال والإعلام والأسلحة المحرّمة"، من خلال ما أعطوه لأنفسهم من حق في شن الحروب الدائمة، "وحقهم في قصف صواريخ الرعب والموت في أي مكان في العالم"، سيقابلون كل ذلك باستخدام حق الشعوب وحق المقاومة العراقية في فرض حالة "توازن الرعب" بالقتال المتوازي للرعب القاتل الذي يفرضه المحتلون، والذي قالوا عنه "وعندئذ نطرد الوحوش خارج العراق، ونعيد الوطن والأمن لأهله؟؟"... ويؤكدون عهدهم ووعدهم بقولهم "نعم، بوسعنا خلق (توازن الرعب) بعد أن أرادوها إبادة لشعبنا، فلتكن إبادة لهم، فإما أن يموت الجميع أو يعيش الجميع، وليعلم الغزاة أن الأسود لا تبكي في غابتها" ("رافدان"، نشرة 28- "موقع البصرة نت 30 ديسمبر/كانون الأول 2005").
هذا هو الواقع الجديد في المنطقة العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، المواجهة بين القوة الأمريكية الباطشة والمقاومة العراقية المجاهدة، في حرب غير نظامية لم تتمكن القوة العظمى أن تكسبها في أية تجربة سابقة، وبإعترافات بدأت تتوالى على جميع وسائل الإعلام الغربية قبل العربية، تم تأكيد قوة هذه المقاومة في العراق التي يزداد سعير نيرانها كل يوم بشكل كمي ونوعي بدون أية مهادنة أو تراجع... والأهم من كل ذلك إن الإدارة الأمريكية وعساكرها هي الطرف الرئيسي الذي يعلم جيداً بحقيقة هذه القوة وصلابتها، مما دفعها للبحث عن شتى الطرق للدخول في مفاوضات، تعتقد متوهمة، بإنها يمكن أن تكسبها كما تفعل دائماً مع الأنظمة العربية... ولكنها في كل مرة تلاقي جداراً اسمنتياً مسلحاً لا يمكن اختراقه بكل ما تملك من أسلحة دمار خارقة.
ولأن "بعد سنتين ونصف لم ير الغزاة نصرا ولديهم (200) ألف جندي ومرتزق، قتل منهم عشرات الآلاف، وجرح (40) ألف... وكلّف الغزو (200) مليار دولار وطلبوا إضافة (50) مليار من الكونغرس" ("رافدان"، نشرة 28- "موقع البصرة نت 30 ديسمبر/كانون الأول 2005")، فإن حلم الإمبراطورية الأمريكية في بداية إنهيارها... فيا ترى هل تعلم الأنظمة العربية بالدور القادم لهذه القوة الاستعمارية بعد إنهيار هيبتها وإنسحاب قواتها من العراق، واللذان يبدوان واضحين للداني والقاصي؟، ذلك الدور الذي سيكشف عن تحالفات قديمة/جديدة لتُرجع المنطقة إلى نظام الاستعمار المباشر وشرطي الخليج الشبيه بدور النظام الإيراني الشاهنشاهي السابق، ولكن هذه المرة مع قوة التهديد النووي؟!!.