البنك الدولي ومافيا نهب ثروات الشعوب (2)

نواصل نشر اجزاء من كتاب “Confessions of an Economic Hit Man”، (اعترافات سفاح أقتصاد) الذي يعترف فيه مؤلفه جون هوبكنز (John Hopkins) التوبة والبراءة من تاريخه كسفاح اقتصادي، بسرد قصته في هذه المهنة التي يقول عنها "إن السفاحين الاقتصاديين هم خبراء محترفون يتقاضون رواتب عالية جداً، ويمارسون خديعة الدول في أنحاء العالم وابتزاز تريليونات الدولارات منها. وهم يغدقون الاموال من البنك الدولي ووكالة التنمية الدولية الامريكية وغيرهما من منظمات “العون” الخارجي، على خزائن الشركات الضخمة، وجيوب حفنة من العائلات الثرية التي تسيطر على الموارد الطبيعية في كوكب الارض. وتشتمل ادواتهم على التقارير المالية المضللة، والانتخابات المزورة، وتقديم الاموال، والابتزاز، والجنس، والقتل".


وللتنوير بأساليب العمل الخفية لتلك المؤسسات، ننشر هنا بتفصيل مختصر، إعتراف المؤلف حول جرائم البنك الدولي في بنما (ترجمة وعرض عمر عدس / موقع دورية العراق www.iraqpatrol.com):
يذكر بيركنز "أن بنما كانت جزءاً من كولومبيا، عندما قرر المهندس الفرنسي فرديناند دي لاسيبس الذي وضع خطة حفر قناة السويس، حفر قناة عبر برزخ امريكا الوسطى لوصل المحيط الاطلسي والمحيط الهادئ، معاً. بدأ الفرنسيون هذا المشروع سنة 1881 ولكنه ظل يواجه الكارثة تلو الاخرى إلى أن انتهى بكارثة مالية، ولكنه أثار أحلام تيودور روزفلت. وفي السنوات الاولى من القرن العشرين طالبت الولايات المتحدة كولومبيا بتوقيع معاهدة يجري بموجبها تسليم البرزخ إلى اتحاد مالي امريكي شمالي، ولكن كولومبيا رفضت ذلك. وفي سنة 1903 أرسل الرئيس روزفلت السفينة الحربية "ناشفيل"، التي أنزلت الجنود في بنما، فقبضوا على قائد المليشيا المحلية الذي كان يحظى بشعبية كبيرة، وقتلوه، وأعلنوا بنما دولة مستقلة، وتم تنصيب حكومة خانعة، وقّعت معاهدة القناة الاولى، التي أنشئ بموجبها منطقة امريكية على جانبي ما سيصبح ممراً مائياً في المستقبل. وأُضفيت الشرعية على التدخل العسكري الامريكي، ومُنحت واشنطن سيطرة فعلية على هذه الدولة (المستقلة) حديثاً... ومن الطريف إن المعاهدة وقّعها وزير الخارجية الامريكي "هاي"، ومهندس فرنسي هو "فيليب بوناو فاريلا" الذي كان جزءا من الفريق الأصلي، ولم يوقع على المعاهدة أي بنمي، وفي إثر ذلك أجبرت بنما على الإنفصال عن كولومبيا لكي تخدم المصالح الامريكية. وعلى مدى نصف قرن ونيف، ظلّت بنما تخضع لحكم أقلية من العائلات الثرية، التي تربطها بواشنطن علاقات وثيقة. وكانت دكتاتوريات يمينية تتخذ أي إجراء تعتبره ضرورياً لضمان مساندة بلادها للمصالح الامريكية... كما كانوا يساندون وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية، ووكالة الامن القومي في نشاطاتهما ضد الشيوعية في نصف الكرة الارضية ذاك، ويساعدون الشركات الأمريكية الكبرى مثل "شركة روكفلر ستاندارد أويْل"، و"شركة الفواكه المتحدة" (التي كان قد اشتراها جورج بوش الأب). ولم تكن هذه الحكومات في ما يبدو، تشعر بأن المصالح الامريكية تتعزز بتحسين حياة الناس الذين كانوا يعيشون في فقر مدقع، أو يعملون عبيداً في واقع الامر في المزارع والمؤسسات الكبرى. وكانت العائلات الحاكمة في بنما تتكافأ بالدعم الامريكي لها، اذ تدخلت القوات العسكرية الامريكية اثنتي عشرة مرة لمساندتها، بين اعلان استقلال بنما وبين سنة 1968".
ويقول المؤلف إن إنقلاب عسكري في عام 1968 أطاح بآخر دكتاتور في سلسلة الحكومات الأمريكية في بنما، ليحل محله الرئيس عمر توريجوس الذي يتمتع بشعبية فائقة والاحترام في أوساط الطبقات الوسطى والدنيا، فأصبح رئيساً محبوباً جداً في معظم انحاء العالم، "وكان كثير من الناس يعتقدون انه كان ينبغي ان يفوز بجائزة نوبل للسلام، وكان لا بد ان يحدث ذلك لولا انه مات أو قُتل. فقد كان يحمي المستضعفين في كل مكان، وكانت الولايات المتحدة في ذلك الوقت، بزعامة الرئيس جيمي كارتر تفاوض توريجوس على معاهدة جديدة للقناة... وهكذا كنا نحن السفاحين الاقتصاديين نتطلع الى ما وراء تلك العملية، أو كيف نستطيع ان نفوز ببنما بصرف النظر عما حدث لاتفاقية القناة".
كان المؤلف يحاول تطويع توريجوس عام 1972، والإيقاع به كما فعلوا مع غيره في كل مكان... وفي لقاء بينهما في منزل الرئيس تفاجأ مؤلفنا بأقوال هذا الزعيم الوطني الذي قال له "أنظر، إنني أعرف اللعبة التي تلعبونها.. وأعرف ماذا تحاولون ان تفعلوا هنا... أنكم تحاولون تحميلنا ديونا باهظة... تحاولون جعلنا معتمدين عليكم تماما... وتحاولون إفسادي. إنني أعرف هذه اللعبة ولن ألعبها، لست بحاجة إلى المال، ولا اتطلع إلى تكوين ثروة شخصية من ذلك، إني أريد مساعدة شعبي الفقير، وأريد منكم أن تبنوا المشاريع التي يفترض أن تقيموها، والتي تقيمونها في الدول الاخرى، ولكني أريدكم أن تقيموها من أجل الفقراء من شعبنا، لا من أجل الاثرياء. اذا فعلتم ذلك فسأنظر في منحكم ومنح شركتكم المزيد من العمل في هذه البلاد، العمل الذي يخدم شعبنا"... وهذا ما جعل هذا السفاح أن يؤمن بإن أي من السفاحين الاقتصاديين لن ينالوا توريجوس، ولذلك قرر أن يجاريه ويسايره، رغم شعوره بالقلق العميق، لأنه كما يقول "كنت أعلم ان هذا النظام قائم على افتراض أن الزعماء مثل توريجوس قابلون للإفساد، وإن معظمهم كذلك في كل مكان في العالم، وعندما يصمد أحدهم في وجه النظام ويتحداه كما كان يفعل توريجوس، لم يكن ذلك يعني تهديداً لنا في بلاده بنما فقط.... بل قد ينظر إلى الأمر كمثال سيىء تحتذيه بقية دول العالم، ولم يكن هو الوحيد الذي يتحدى في ذلك الوقت، بل كان هنالك زعيم آخر، هو رئيس الاكوادور جيمي رولدوس. كانا كلاهما يقفان في وجه الحكومة الامريكية، وكانا يقفان في وجه شركاء النفط والسفاحين الاقتصاديين، وكان ذلك يثير بالغ القلق لدي. كنت اعلم في أعماق قلبي إنه إذا استمر ذلك، فسوف يحدث شيء ما، وقد حدث بالطبع... فقد تم اغتيال هذين الرجلين على أيدي من نسميهم " ابناء آوى"، وهم السفاحون المرخصون من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية". وبعد سرد تفاصيل القصة كاملة يؤكد المؤلف، إنه نظراً لرفض إذعان عمر توريجوس للمطالب الامريكية، وإستعصاءه على الإفساد، ورفضه لرهن بلاده لدى أمريكا وشركاتها مقابل حفنة دولارات "قرروا قتلة، ودبروا له حادث تحطم طائرة سنة 1981".
هذه هي حقيقة مبادئ الديمقراطية الأمريكية في التعامل مع مصالحها بنهب ثروات العالم، وهذا شاهد واحد من ألوف الشواهد التي تؤكد الإرهاب الأمريكي الذي لم يتوقف منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا في كل أرجاء المعمورة، فهل حقاً لهم مصلحة في تحقيق الديمقراطية في مناطقنا؟!...
تابعوا الحلقة القادمة من اعترافات سفاح الاقتصاد هذا...