البحرين والانتخابات والديمقراطية

إن اعتبرنا الانتخابات أهم أركان وأسس الديمقراطية من حيث حرية الفرد في الاختيار، فإن انتخاباتنا في البحرين لا زالت أبعد ما تكون في علاقتها بالديمقراطية، لافتقادها هذه الممارسة الأساسية لحقوق المواطنية وحقوق الفرد، بعد أن تم توجيه الناخبين لصناديق الاقتراع بالإرهاب الفكري تارة، وبتغييب الإرادة تارة أخرى، مارسته عليهم الأطراف التي حققت فوزاً ساحقاً لمترشحيها، والشواهد والأدلة على هذه الممارسات لم تعد مستترة..
كان التصويت في هذه الانتخابات للطائفة المذهبية ولم يكن للتمثيل الشعبي في البرلمان البحريني، حيث تم ممارسة أنواع من التهديد والوعيد، المادي والغيبي، لكل من لا ينتخب ضمن هذا المفهوم.. بدأ بفتاوى "العلماء" بعدم قبول صلاة كل من لا ينتخب "الكتلة الإيمانية"، ولم ينتهي عند حدود فتح مراكز انتخابية افتراضية في الحسينيات، تم تسجيل ناخبيهم فيها فرداً فرداً، جاء في نهايته تصريح رئيس "الكتلة الإيمانية" للإعلام، قبل موعد الانتخابات بأيام معدودة، بأنه في حال فوزهم بأقل من 13 عضواً في البرلمان سيُعِدّون الانتخابات مزورة.. وبه تم توجيه رسالتين، الأولى تشكل تهديداً للقيادة السياسية بمحاولة قلب الطاولة في حالة عدم تحقيق أهدافهم، والثانية تهديداً للناخب بإمكانية كشفه، والنيل منه، في حال عدم الالتزام بالتصويت بموجب ما تم تحديده في تلك الصناديق الافتراضية.. دون أن ننسى إنه تم الطلب من آلاف الناخبين أداء اليمين على المصحف الشريف لانتخاب هذه الكتلة التي لم يحصل على "شرف" الانتساب لها إلا مترشحي الوفاق "الإسلامية".


هذه الممارسات تُرجعنا إلى الشعارات التي تم رسمها على جدران المنازل في المدن والقرى البحرينية في التسعينيات، وأكثرها إلحاحاً كان "البرلمان هو الحل الجذري"، ليبدأ أول برلمان يشترك به رافعي الشعار، بممارسات، لا تقل قمعاً عن قانون أمن الدولة، سيء الصيت.
وإن اعتبرنا البرلمان أحد أهم الواجهات الديمقراطية في المجتمع من حيث تمثيله لتنوع قطاعات الشعب وتعددية فئاته السياسية والاجتماعية فإن برلماننا البحريني لا زال أبعد ما يكون في علاقته بالديمقراطية أيضاً، كواجهة ومضمون.. إذ اقتصر تمثيله على تيار الإسلام السياسي الممثل للطوائف المذهبية، ولا يمثل هذا البرلمان فئات وقطاعات عديدة في المجتمع، كلها ترفض التمثيل المذهبي والإرهاب الفكري ويطالب بتمثيل وطني ومهني وشعبي حر وديمقراطي.. فيا ترى أية ديمقراطية في هذه الشمولية بتمثيل تيار واحد (الإسلام السياسي) للمجتمع البحريني الزاخر بتنوعه وتعدديته السياسية والثقافية والاجتماعية؟..
أما في تقييم الجوانب الأخرى لهذه "الديمقراطية" الجديدة التي نعيشها، فإننا نتساءل، بعد أن تفرد التيار الإسلامي الشيعي، المتمثل في جمعية الوفاق "الإسلامية"، بالفوز في هذه الانتخابات، دون حلفائه من الجمعيات الأخرى التي أوصلته إلى هذا الموقع بعد أربع سنوات من العمل أعطوا خلالها للوفاق الشرعية (الوطنية) لإبعادها، ولو شكلياً، عن وصمة الطائفية.. نتساءل، ياترى مَن الذي يمارس اليوم الإقصاء والتهميش والقمع والترهيب الطائفي في هذا المجتمع بذريعة "التمهيش والإضطهاد الطائفي للشيعة" التي باتت سيفاً مسلطاً على مجتمعنا البحريني منذ ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن كان التجانس والتآلف من أهم صفات هذا المجتمع المتعدد الطوائف والأديان والأعراق على مدى قرون طويلة؟؟.. لربما يكون مؤشرنا في الإجابة على هذا السؤال، إضافة إلى العديد من المؤشرات الأخرى، ذلك التدخل الإعلامي المباشر لفتاوى السيستاني (الإيراني الجنسية) في مسار الانتخابات، واحتفال فضائية "الفرات" والإهتمام المبالغ به لفضائية "العالم" (الإيرانيتين) بالفوز الساحق لجمعية الوفاق "الإسلامية" في هذه الانتخابات، كأهم المؤشرات على مدى التعاطي الطائفي الخارجي في شئوننا الداخلية، وعلى أن تلك النتائج الانتخابية لم تعد شأناً محلياً بأي شكل من الأشكال، كما لن تكون كذلك الممارسات البرلمانية في الفترة القادمة.
وفي الجانب الآخر لا بد من التذكير بتبعات تفرد تيار الإسلام السياسي السني بباقي المقاعد البرلمانية، دون كل الفئات والقطاعات الشعبية عموماً والسنية خصوصاً، الوطنية والمناطقية والثقافية، التي ستظهر كردود فعل سلبية لدى هذه الطائفة، والتي ستدق المسمار الأول في نعش العلاقة القوية التي تربطها بالسلطة السياسية.. علماً بإن هذه الحالة المرتقبة تعد أحد أهداف استراتيجية تصدير الثورة الخمينية التي قامت على أساس استثمار كل الخلافات الداخلية "دون ضجيج أو إراقة للدماء أو حتى رد فعل من القوى العظمى" لصالح نشر مبادئها وكسب الولاء العربي للقومية الفارسية..
وهنا ننوه بأحد أهم فصول تلك الاستراتيجية التي ترتكز على "إثارة أهل السنة على الحكومات حتى تقمعهم تلك الحكومات فيتحقق لهم سوء ظن الحكام بكل المتدينين منهم، ونمو الحقد والعداء بين الطرفين، وضياع مكانة أهل السنة وسلطتهم المادية والمعنوية"، وإحجام الحكام عن مساعدتهم كوجه من وجوه الهوية العربية والعقيدة الإسلامية، حسب الرؤية التي جاءت في الخطة الخمسينية لتصدير الثورة.. وإذا جمعنا هذا الحدث مع أحداث كثيرة سبقتها وستليها، نكتشف بأن هذه الاستراتيجية سائرة في طريقها الصحيح دون علم الأنظمة العربية التي، عموماً، لا تملك المجسات العلمية السليمة لقياس نبض الشارع والمسيرة الشعبية في بلدانهم، كما لا تملك أية وسائل علمية تتصدى لتلك الاستراتيجيات الطامعة والمتربصة بنا، والتي باتت معلنة وثمارها ناضجة للقطف..
من المؤكد بأن الديمقراطية تعد أحد أهم متطلباتنا السياسية، إلا إننا بكل تأكيد لانزال نخطو خطوات واسعة في عكس اتجاه أي نوع من أنواع الديمقراطيات الحقيقية.. ولازالت الديمقراطية مجرد كلمة سحرية لا تحقق إلا أهداف القوى الاستعمارية والخارجية الطامعة بمنطقتنا، بنفس المستوى التي كانت السياسات الأمنية المخابراتية الاستعمارية والخارجية تخدم هذه الأهداف سابقاً..
وتبقى شعوبنا العربية تترنح بين المعوقات السياسية الداخلية والسياسات الاستعمارية الخارجية، قبل أن تتحرك للأمام أو للخلف مع المتغيرات القادمة بسرعة لم تكن متوقعة!!