يا آنسة رايس، واجهي الحقيقة وإعملي بها..

طلعت علينا الصحف هذا الأسبوع بخبر زيارة كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، لدول الخليج العربي والأردن ومصر (GCC+2)، في بحثها المكوكي عن حل لأزمة دولتها في العراق.. وبدأت بلقاء القيادة السعودية تطلب منهم تفعيل دورهم ونفوذهم لتحقيق "الأمن والاستقرار" هناك، في بادرة بها الكثير من الأدب واللياقة التي افتقدتهما الإدارة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة، قبل أن يُمَرّغ العراقيون والأفغان أنف قواتها العسكرية في الوحل العراقي والأفغاني..
ورغم إن العزيزة رايس تعلم جيداً عدمية جدوى محاولاتها هذه التي لن تأتي بـ"أُكلها" في العراق، إلا إن إدارتها الأمريكية لا ترى أمامها سبيلاً آخر يحفظ ماء وجه بلادها الذي يراق كل يوم على التراب العراقية، حيث تحدّق أنظار العالم مستنكرة الوحشية واللاإنسانية والتدني الأخلاقي لما دون الحيواني عند هذا الإحتلال، بعد أن حوّلت جيوش بلادها العراق الحضاري الآمن والمستقر إلى خرائب تنعق بها الغربان على جِيَف الجثث المشوهة من التعذيب والمكدّسة بالشوارع والطافحة في الأنهار...

حتى وصلت معدلات الكراهية والعداء لبلادها إلى أعلى مستوياتها..
ولنختصر عناء ومشقة هذه اللقاءات على الآنسة رايس، نوجه لها هذه الرسالة..
يا آنسة رايس: هل لازلتم غير قادرين على قراءة الواقع العراقي.. أم أن كذبكم المستمر أوصلكم إلى مرحلة الكذب على الذات، حتى بِتّم تصدقون أكاذيبكم؟؟..
إن كان الأمر كذلك، فإستمعي إلى هذه النصيحة... سيدتي: قد تكون الدول العربية التي تلجئين لها اليوم مستجدية منهم حلاً لمأزقكم، قد تكون هذه الدول نجحت في مساعدتكم على غزو واحتلال العراق، ولكن كوني على ثقة تامة بأنها لا تملك، قيد أنملة، حلاً أو نفوذاً لإنقاذكم من ذلك المأزق.. فالوحل الذي تغوصون فيه كل يوم هناك، هو أعمق بكثير مما يمكن أن يُقَدّم لكم من مساعدات خارجية.. وإذا تمكنتم في المرة السابقة، عبر أحدى هذه الدول، من خداع العراقيين بما أعطيتموهم من وعود مقابل مشاركتهم في الانتخابات (2005)، فللمرة الثانية، كوني على ثقة بأن هذا الخداع أو غيره لن يمكن تمريره على الشعب العراقي بعد الآن، إذ كلّفتهم تلك الخدعة أكثر من مائة ألف قتيل وهجرة مئات الألوف من العراقيين حتى الآن.. و"المؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين"..
يا عزيزتي.. لا يملك أي نظام عربي، سواء في الخليج أو غيره، أي نفوذ في العراق، وأنتم تعلمون هذه الحقيقة جيداً، فلم يعد العراقيون يثقون بأي نظام عربي حالي.. وبعد كل هذا التاريخ الدموي الذي عاشه ويعيشه هذا الشعب منذ عقد ونصف من الزمان، بدعم ومساهمة من هذه الأنظمة، فثروات العرب كلها لا تغسل آثار نهر الدم الذي لايزال جارياً بجانب نهري دجلة والفرات.. وإن كانت أنظمتنا تعتقد بامتلاكها هذه القوة النفوذية في العراق، فالأجدر بهم أن يبدأوا بفرض هذا النفوذ لحل مشاكل بلدانهم المهددة بوقوعها في نفس الفخ الذي وقع فيه العراقيون.. وللمرة الثالثة نقول ونؤكد على قولنا يا عزيزتي، أن كوني على ثقة بأن الحل ليس لدى أي طرف من هذه الأطراف العربية، مع علمي بأنك وإدارتك تعلمون هذه الحقيقة جيداً.. ولكن ماذا نفعل بمرض المراوغة والإزدواجية التي تديرون بها ألعابكم السياسية المتوحشة..
وإن كنتم حقاً تبحثون عن حل لأزمتكم المتفاقمة في هذا البلد العربي الذي عُرف على مدار التاريخ بأنه مقبرة الإمبراطوريات، فلابد إن محنتكم المستمرة من أربع سنوات قد أوصلتكم إلى الحقيقة المرة التي يجب أن تتجرعوها كالسم... نعم، الحقيقة الناصعة الوضوح التي تقول إن استقرار وأمن العراق لن يتحقق إلا، أولاً: على يد المقاومة العراقية البطلة التي أذاقتكم مرارة الهزيمة، وثانياً: بانسحابكم الكامل والفوري من هذه الأرض التي سيتسلمها ويبنيها أبنائها المخلصين والبارين لها، وليس المرتزقة..
هما شرطان ، لا ثالث لهما، يا آنسة رايس.. وإن لم تتبعوهما اليوم ستفعلون غداً.. ولكن الفرق بين اليوم والغد هو إن الجرعة تزداد مرارة ومفعولاً قاتلاً كل يوم..
فما عليكم إلا الإختيار بأن تبدأوا اليوم أو غداً..